للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: ما هذه؟ فقلنا هذه شاة ذبحناها لنصب كذا وكذا فقال: إني لآكل ما ذبح لغير الله وكان صنمًا من نحاس يقال له أساف ونائلة يتمسح به المشركون إذا طافوا، فطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تمسه قال زيد: فطفنا فقلت في نفسي لأمسنه حتى أنظر ما يقول، فمسحته، فقال رسول الله: ألم تنه؟ قال زيد: فوالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلمت صنمًا حتى أكرمه الله بالذي أكرمه، وأنزل عليه الكتاب، ومات زيد بن عمرو بن نفيل قبل أن يبعث فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي يوم القيامة أمة وحده. (١)

٣ - وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاض فِي الِمْلَّة المُشْهُورَة فِي عِصْمَة الْأَنْبِيَاء قَبْل النبوة، إِنَّهَا كَالمُمْتَنِعِ لِأَنَّ النَّوَاهِي إِنَّمَا تَكُون بَعْد تَقْرِير الشَّرْع، وَالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى الصَّحِيح، فَعَلَى هَذَا فَالنَّوَاهِي إِذَا لَمْ تَكُنْ موجودة فَهِيَ مُعْتَبَرَة فِي حَقّه. وَالله أَعْلَمُ. فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْل الْآخَر فَالجوَاب عَنْ قَوْله: "ذَبَحْنَا شَاة عَلَى بَعْض الْأَنْصَاب" يَعْنِي الْحِجَارَة الَّتِي لَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ وَلَا معبودة، إِنَّمَا هِيَ مِنْ آلَات الْجَزَّار الَّتِي يَذْبَح عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ النُّصُب فِي الْأَصْل حَجَر كَبِير، فَمِنْهَا مَا يَكُون عِنْدهمْ مِنْ جُمْلَة الْأَصْنَام فَيَذْبَحُونَ لَهُ وَعَلَى اِسْمه، وَمِنْهَا مَا لَا يُعْبَد بَلْ يَكُون مِنْ آلَات الذَّبْح فَيَذْبَح الذَّابِح عَلَيْهِ لَا لِلصَّنَمِ، أَوْ كَانَ اِمْتِنَاع زَيْد مِنْهَا حَسْمًا لِلمادَّةِ (٢).

* * *


(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣/ ٢٣٨ من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب من أصل كتابه، ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا أبو أسامة، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة؛ ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أسامة بن زيد به. قال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ومن تأمل هذا الحديث عرف فضل زيد وتقدمه في الإسلام قبل الدعوة، وقال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم.
(٢) فتح الباري ٧/ ١٦٥: ١٦٤. بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>