للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يزنه، وكان إذا حاول إنشاد بيت قديم متمثلًا كسر وزنه، وإنما كان يحرز المعاني فقط - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك أنه أنشد يومًا قول طرفة:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا ... ويأتيك من لم تزوده بالأخبار

وأنشد يومًا وقد قيل له: مَنْ أشعر الناس؟ فقال: الذي يقول:

ألم ترياني كلما جئت طارقًا ... وجدت بها وإن لم تطيب طيبًا

وعن الخليل بن أحمد: كان الشعر أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كثير من الكلام، ولكن لا يتأتى له.

الثانية: إصابته الوزن أحيانًا لا يوجب أنه يعلم الشعر، وكذلك ما يأتي أحيانًا من نثر كلامه ما يدخل في وزنه كقوله يوم حنين وغيره، والمعول عليه في الانفصال على تسليم أن هذا شعر، ويسقط الاعتراض، ولا يلزم منه أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - عالمًا بالشعر ولا شاعر، أن التمثل بالبيت النزر وإصابة القافيتين من الرجز وغيره، لا يوجب أن يكون قائلها عالمًا بالشعر، ولا يسمى شاعرًا باتفاق العلماء، كما أن من خاط خيطًا لا يكون خياطًا.

قال الزجاج: معنى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} وما علمناه أن يشعر، أي: ما جعلناه شاعرًا، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئًا من الشعر قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في هذا. (١)

قال ابن العربي: هذه الآية ليست من عيب الشعر كما لم يكن قوله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} (العنكبوت: ٤٨) من عيب الكتابة، فلا لم تكن الأمية من عيب الخط، كذلك لا يكون نفي النظم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عيب الشعر. (٢)

قال ابن عبد البر: وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في بعض جراحاته:

هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب."

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة"


(١) الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ٤٨ وما بعدها، وقد اكتفينا بذكر مسألتين.
(٢) أحكام القرآن لابن العربي ٦/ ٤٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>