للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل هذا كثير عنه - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه - رضي الله عنه -، وهذا دليل على أن السجع كلام، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكذلك الشعر كلام منظوم، فالحسن منه حسن وحكمة، والقبيح منه ومن المنثور غير جائز النطق به. (١)

وقال النووي: واتفقوا على أن الشعر لا يكون شعرًا إلا بالقصد، أما إذا جرى كلام موزون بغير قصد فلا يكون شعرًا، وعليه يحمل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك؛ لأن الشعر حرام عليه - صلى الله عليه وسلم -. (٢)

وقال في موضع آخر: واستدل بعض العلماء بهذا الحديث: "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا" (٣) على كراهة الشعر مطلقًا قليله وكثيره، وإن كان لا فحش فيه وتعلق بقوله - صلى الله عليه وسلم - خذوا الشيطان، وقال العلماء كافة هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه، قالوا وهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، وهذا هو الصواب فقد سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - الشعر واستنشده وأمر به حسان في هجاء المشركين، وأنشده أصحابه بحضرته في الأسفار وغيرها، وأنشده الخلفاء وأئمة الصحابة وفضلاء السلف ولم ينكره أحد منهم على إطلاقه؛ وإنما أنكروا المذموم منه وهو الفحش ونحوه (٤).

وقال الطبري: وقوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} يقول تعالى ذكره: وما علمنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - الشعر وما ينبغي له أن يكون شاعرًا، كما حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} قال: قيل لعائشة: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان أبغض الحديث إليه غير أنه كان يتمثل ببيت أخي بني قيس فيجعل آخره أوله وأوله آخره، فقال له أبو بكر: إنه ليس هكذا فقال نبي الله: إني والله ما أنا


(١) التمهيد لابن عبد البر ٦/ ٤٩٠.
(٢) شرح مسلم للنووى ٥/ ٨.
(٣) البخاري (٥٨٢٠)، ومسلم (٢٢٥٧).
(٤) شرح مسلم للنووى ١٥/ ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>