للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: وفي سياق الحديث ما يشهد لهذا فإن فيه شعوره - صلى الله عليه وسلم - بذلك المرض ودعاءه ربه أن يشفيه.

فالذي يتحقق دلالة الخبر عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان في تلك الفترة يعرض له خاطر أنه قد جاء لعائشة وهو - صلى الله عليه وسلم - عالم أنه يجئها ولكنه كان يعاوده ذلك الخاطر على خلاف عادته فتأذَّى - صلى الله عليه وسلم - من ذلك وليس في حمل الحديث على هذا تعسف ولا تكلف. (١)

المقام الثاني: حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: "أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه"، "أتاني رجلان" أي ملكان كما في رواية أخرى في صورة رجلين فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل؟ قال مطبوب قال ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم: قال في أي شيء؟ قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر. قال: فأين هو؟ قال في بئر ذي أروان) فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس من أصحابه فجاء قلت يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: "قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس منه شرًّا فأمرت بها فدفنت".

ومحصل هذا أن لبيد بن الأعصم أراد إلحاق ضرر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فعمل عملًا في مشط ومشاطة ... إلخ فهل من شأن ذلك أن يؤثر؟ قد يقال: لا، ولكن إذا شاء الله تعالى خلق الأثر وعقبه والأقرب أن يقال: نعم بإذن الله والإذن هنا خاص وبيانه أن الأفعال التي من شأنها أن تؤثر ضربان.

الضرب الأول: ما أذن الله تعالى بتأثيره إذنًا مطلقًا ثم إذا شاء منعه وذلك كالاتصال بالنار مأذون فيه بالإحراق إذنًا مطلقًا فلما أراد الله تعالى منعه قال: {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى} (الأنبياء: ٦٩).

الضرب الثاني: مما هو ممنوع من التأثير منعًا مطلقًا فإذا اقتضت الحكمة أن يمكن من التأثير رفع المنع فيؤثر وقوله تعالى في السحر: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: ١٠٢) يدل أنه من الضرب الثاني وأن المراد بالإذن: الإذن الخاص والحكمة في


(١) فتح الباري: (١٠/ ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>