هكذا في معظم الروايات أن عائشة - رضي الله عنها - سألت الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن استخراج السحر وفي بعضها أجابها بـ (لا)، والبعض الآخر لم يذكر هذا الجواب ولكن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعدها:"أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثّور على الناس منه شرًّا" يدل على أنه لم يستخرجه، ووقع في رواية سفيان ومعمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرج السحر وأن سؤال عائشة كان عن النشرة.
وقد أجاب ابن المهلب فيما نقله الحافظ عنه في الفتح بجوابين عن هذا الاختلاف بين الروايات. (١)
أحدهما: أن رواية سفيان أرجح لأنها زيادة من ثقة فتكون مقبولة وأنه حفظ ما لم يحفظه غيره.
قلت: وقد تابعه معمر عند أحمد وله شاهد من حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه -.
الثاني: أن الاستخراج المنفي في رواية أبي أسامة ومن تابعه وغيره غير الاستخراج المثبت في رواية سفيان. فالمثبت هو استخراج الجف، والمنفي هو استخراج ما حواه قال فكأن السر في ذلك أن لا يراه الناس فيتعلمه من أراد استعمال السحر.
فالنظر في هذا الحديث في مقامين:
المقام الأول: ملخص الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - في فترة من عمره ناله مرض خفيف ذكرت عائشة أشد أعراضه بقولها (حتى كان يرى أنه يأتي أهله ولا يأتيهم) وفي رواية (حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن) وفي أخرى (يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله) والرواية الأولى فيما يظهر أصح الروايات فالأخريان محمولتان عليها.
قال ابن حجر: قال بعض العلماء. لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله أن يجزم بفعله ذلك. وإنما يكون من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت.