للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد قام على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل. فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها، فهو في ذلك عرضة لما يتعرض البشر إليه فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين.

وقد قال بعض الناس إن المراد بالحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - يتخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن يطأهن وهذا كثيرًا ما يقع تخيله للإنسان في المنام، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة.

قلت: وهذا قد ورد صريحًا في رواية ابن عيينة ولفظه (حتى كان يرى أنه أتى النساء ولا يأتيهن) وفي رواية الحميدي (أنه يأتي أهله ولا يأتيهن) وقيل: أنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما تخيله فتكون اعتقاداته على السداد. (١)

فأما المتحقق من معنى الحديث كما قدمنا في المقام الأول فليس فيه ما يصح أن يعبر عنه بقولك: (خولط في عقله) وإنما ذاك خاطر عابر، لو فرض أنه بلغ الظن فهو في أمر خاص من أمور الدنيا لم يتعده إلى سائر أمور الدنيا فضلًا عن أمور الدين، ولا يلزم من حدوثه في ذاك الأمر جوازه في ما يتعلق بالتبليغ بل سبيله سبيل ظنه أن النخل لا يحتاج إلى التأبير، وظنه بعد أن صلى ركعتين أنه صلى أربعًا وغير ذلك من قضايا السهو في الصلاة.

وفي القرآن ذكر غضب موسى على أخيه هارون وأخذ برأسه لظنه أنه قصر مع أنه لم يقصر،

وفيه قول يعقوب لبنيه لما ذكروا له ما جرى لابنه الثاني {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} يتهمهم.

بتدبير مكيدة مع أنهم حينئذ أبرياء صادقين. وقد يكون من هذا بض كلمات موسى للخضر. (٢)

وصون النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده فقد مضى في الصحيح أن شيطانًا أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه فكذلك السحر ما ناله من ضرره ما يدخل نقصًا


(١) صحيح مسلم بشرح النووي (٧/ ٤٣١).
(٢) الأنوار الكاشفة (صـ ٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>