للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ}، وقوله عز وجل: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤)} والمعنى: لولا عصمتنا ورحمتنا لأتيت ما تذم عليه، على فرض الإمكان، لا على فرض الوقوع (١).

فسمى رب العزة العصمة (وضعًا) على سبيل المجاز، وإنما عبر عنها به؛ لأن الذنب يثقل الظهر بعقابه، وبالندم عليه في حالة التوبة منه، والعصمة لكونها تمنع وقوع الذنب، تريح صاحبها من ثقل عقابه، ومن ثقل الندم عليه، فعبر عنها بالوضع لذلك (٢).

ويشهد لصحة هذا القول: سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة، من عصمة رب العزة له - صلى الله عليه وسلم - من كل ما يمس قلبه وعقيدته بسوء، من أكل ما ذبح على النصب، والحلف بأسماء الأصنام التي كان يعبدها قومه، واستلامها، وكذا عصمته من كل ما يمس خلقه بسوء، من أقذار الجاهلية ومعائبها، من اللهو، والتعري، وكذا تشهد سيرته - صلى الله عليه وسلم - بعد النبوة، من عصمة رب العزة له - صلى الله عليه وسلم - مما عصمه به قبل النبوة، ومن أن يضله أهل الكفر، وأنى لهم ذلك وقد نفاه الله تعالى: {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} كما عصمه ربه عز وجل من أن يفتنوه عن الوحي، أو التقول عليه، ولو حدث شيء من ذلك، لوقع عقاب ذلك، الوارد في قوله سبحانه: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}، وقوله عز وجل: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} (الحاقة: ٤٤ - ٤٦).

فهل نقل إلينا ولو بطريق ضعيف أن رب العزة عاجله بالعقوبة في الدنيا مضاعفة؟ أو تخلى عن نصرته؟


(١) كتاب (رد شبهات حول عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -).
(٢) كتاب (رد شبهات حول عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -).

<<  <  ج: ص:  >  >>