للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإجابة بالقطع لا، لم ينقل إلينا، وهو ما يؤكد أن الخطاب في آيات الشرط {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} و {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤)} ونحو ذلك، على فرض الإمكان، لا على فرض الوقوع، وبتعبير آخر الشرط في تلك الآيات لا يقتضى الوقوع ولا الجواز.

وإذا صح تسمية العصمة (وضعًا) في قوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢)} مجازًا، صحح أيضًا إطلاق المغفرة كناية عن العصمة في قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}، والمعنى في الآية: ليعصمك الله فيما تقدم من عمرك، وفيما أخر منه.

قال الإمام السيوطي: وهذا القول في غاية الحسن، وقد عد البلغاء من أساليب البلاغة في القرآن؛ أنه يكنى عن التخفيفات بلفظ المغفرة، والعفو، والتوبة، كقوله تعالى عند نسخ قيام الليل: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} وعند نسخ تقديم الصدقة بين يدي النجوى قال سبحانه: {وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}.

وعند نسخ تحريم الجماع ليلة الصيام قال: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} (١).

ووجه إطلاق المغفرة كناية عن العصمة: أن العصمة تحول بين الشخص وبين وقوع الذنب منه، والمغفرة تحول بين الشخص وبين وقوع العقاب عليه، فكنى عن العصمة بالمغفرة بجامع الحيلولة؛ لأن من لا يقع منه ذنب، لا يقع عليه عقاب.

واختيرت هذه الكناية -أعنى الاستعارة- لأن المقام مقام امتنان عليه - صلى الله عليه وسلم -، ثم المعنى بعد هذا: ليظهر الله عصمتك للناس، فيروا فيك حقيقة الإنسان الكامل، ويلمسوا منك معنى الرحمة العامة، لا تبطرك عزة الفتح، ونشوة النصر، فلا تنتقم، ولا تتشفي؛ ولكن تعفو وتغفر (٢).

وعلى ما تقدم فقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ونحوها من


(١) الدر المنثور ٦/ ٣٦٣.
(٢) دلائل القرآن المبين، خواطر دينية كلاهما لعبد الله الغماري.

<<  <  ج: ص:  >  >>