للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: وقوله - عز وجل - {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب وهم الأدعياء فأمر تبارك وتعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة وأن هذا هو العدل والقسط والبر. (١)

وأما بيان العدل والقسط في تحريم التبني فمن وجوه:

الأول: أن الله تعالى هو الذي شرع ذلك وأخبر أنه الأقسط عنده، وهو العليم الخبير.

قال ابن عاشور: أنزل الله تعالى إبطال التبني، والحق في أحكام الله؛ لأنه الخبير بالأعمال وهو الذي يقول الحق (٢).

والأقسط أي: الأعدل فرفع الله حكم التبني، ومنع من إطلاق لفظه، وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبًا، فيقال: كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جلده وظرفه ضمه إلى نفسه، وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه، وكان ينسب إليه فيقال فلان ابن فلان (٣).

وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} وهم يقولون هذه زوجة الابن فتحرم، وقال الله تعالى هي لك حلال، وقولهم لا اعتبار به؛ فإنه بأفواههم كأصوات البهائم، وقول الله حق فيجب اتباعه وقوله: {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} يؤكد قوله: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} يعني يجب اتباعه لكونه حقًّا ولكونه هاديًا (٤).

الثاني: أنهم يرتبون على هذا القول الفاسد أحكام الحقيقة التي لا وجود لها، فكانوا يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه في الخلوة بالمحارم وغير ذلك، ولهذا قالت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة رضي الله عنهما: يارسول الله، إنا كنا ندعو سالمًا ابنا، وإن الله قد أنزل ما أنزل، وإنه كان يدخل علي وإني أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئًا،


(١) تفسير ابن كثير الآية.
(٢) التحرير والتنوير سورة الأحزاب.
(٣) تفسير القرطبي سورة الأحزاب الآية.
(٤) تفسير الرازي الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>