للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنزل فأعجبته، ووقع في قلبه حبها، فتكلم بكلام يفهم منه ذلك، إذ سمعه زيد فبادر إلى طلاقها تحقيقًا لرغبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن زيدًا شاوره في طلاقها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهاه عن ذلك، لكن في قلبه ضد هذا، وأنه كان راغبًا في طلاق زيد لها ليتزوجها، وفوق ذلك فقد أقر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما فعل، بل عاتبه لِمَ يخفي هذا والله سيبديه.

ورغم شناعة ما جاء في هذه الروايات، وهذا الفهم للآية الكريمة التي تتحدث عن طلاق زيد لزينب وزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، إلا أنه قد جاز على أئمة فضلاء، ففسروا به الآية الكريمة، وأثبتوا ذلك صراحة في كتبهم وتفاسيرهم (١).

وأحسن ما يعتذر به عن هؤلاء الأئمة وأتباعهم ممن ذهب يفسر الآية بهذا، أنهم عدّوا هذا منه - صلى الله عليه وسلم - من عوارض البشرية، كالغضب والنسيان، ولكنهم لم يستحضروا شناعة هذا التفسير للآية، ونسبة ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يدققوا في الروايات التي وصلتهم من جهة أسانيدها ومتونها كما فعل غيرهم، ونحن نسأل الله أن يثيبهم على اجتهادهم وأن يغفر لهم.

الرواية الأولى: عن محمد بن يحيى بن حبان، قال: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت زيد بن حارثة يطلبه، وكان زيد إنما يقال له: زيد بن محمد، فربما فقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الساعة فيقول: "أين زيد؟ " فجاء منزله يطلبه، فلم يجده، وتقوم إليه زينب بنت جحش زوجته فُضُلًا - أي وهي لابسة ثياب نومها -، فأعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها، فقالت: ليس هو هاهنا يا رسول الله فادخل بأبي أنت وأمي، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل، وإنما عجلت أن تلبس لما قيل لها: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الباب فوثبت عجلي، فأعجبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه إلا: سبحان مصرّف القلوب، فجاء زيد إلى منزله، فأخبرته امرأته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى منزله، فقال زيد: ألا قلت له أن يدخل؟ قالت: قد


(١) ومن هؤلاء الأئمة: ابن جرير الطبري في كتابه جامع البيان (٢٢/ ١٢)، عند تفسيره الآية ولم يذكر غيره.
ومنهم: الرازي في تفسيره (١٣/ ١٨٤)، حيث ذكر نحوًا من كلام ابن جرير ومنهم: ابن القيم في كتابه الجواب الكافي (ص ٢٤٧)، حيث ذكره في معرض سوقه لحكايات في عشق السلف الكرام والأئمة الأعلام.
ومنهم: الزمخشري في تفسيره (٣/ ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>