وقال الزمخشري (٤/ ٧٦٨) في الكشاف ومن قال: كان على أمر قومه أربعين سنة فإن أراد أنه كان على خلوهم عن العلوم السمعية فنعم، وإن أراد أنه كان على دينهم وكفرهم فمعاذ الله، والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النبوة وبعدها من الكبائر والصغائر الشائنة، فما بال الكفر والجهل بالصانع؛ {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف: ٣٨]، وكفى بالنبي نقيصة عند الكفار أن يسبق له كفر. قال الرازي في "التفسير الكبير": قال الكلبي: (وجدك ضالًا) يعني: كافرًا في قوم ضلال فهداك للتوحيد. وأما الجمهور من العلماء فقد اتفقوا على أنه عليه السَّلام ما كفر بالله لحظة واحدة. قلت: هذا الكلبي متروك عند العلماء وكذبه بعضهم. وأختم هذا التنبيه بكلام مهم جليل للطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (٣٠/ ٤٠٠) في تفسير الآية قال: وليس المراد بالضلال هنا اتباع الباطل؛ فإن الأنبياء معصومون من الإِشراك قبل النبوءة باتفاق علمائنا، وإنما اختلفوا في عصمتهم من نوع الذنوب الفواحش التي لا تختلف الشرائع في كونها فواحش، وبقطع النظر عن التنافي بين اعتبار الفعل فاحشة وبَيْن الخلوِّ عن وجود شريعة قبل النبوءة، فإن المحققين من أصحابنا نزهوهم عن ذلك والمعتزلة منعوا ذلك بناء على اعتبار دليل العقل كافيًا في قبح الفواحش .. ولم يختلف أصحابنا أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - لم يصدر منه ما ينافي أصول الدين قبل رسالته، ولم يزل علماؤنا يجعلون ما تواتر من حال استقامته ونزاهته عن الرذائل قبل نبوءته دليلًا من جملة الأدلة على رسالته، بل قد شافَهَ القرآن به المشركين بقوله: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٦)} [يونس: ١٦]، وقوله: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩)} [المؤمنون: ٦٩]، ولأنه لم يؤثر أن المشركين أفحموا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أنكر عليهم من مساوي أعمالهم بأن يقولوا: فقد كنت تفعل ذلك معنا. اهـ. وقال القاضي عياض في الشفا (٢/ ١٢٩)، ولا أعلم أحدًا قال من المفسرين فيها: ضالًا عن الإيمان. وقال أبو حيان في "البحر المحيط" (٨/ ٤٨١): {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} لا يمكن حمله على الضلال الذي يقابله الهدى؛ لأن الأنبياء معصومون من ذلك ... ولبعض المفسرين أقوال فيه ما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء - عليهم السلام -، وانظر صديق حسن خان في "فتح البيان" (١٥/ ٢٨١). (١) معاني القرآن (٣/ ٢٧٤). (٢) تفسير القرطبي (٢٠/ ٨٧).