للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(النحل: ٤٤) (١).

وهذا المعنى من أقوى المعاني دلالة، وهكذا كانت حاله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يُبعث.

قال الأستاذ أحمد مصطفى المراغى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} أي: ووجدك حائرًا مضطربًا في أمرك مع اعتقادك أن قومك ليسوا على بصيرة من أمرهم؛ فعبادتهم باطلة، ومعتقداتهم فاسدة، وكان يفكر في دين اليهودية، ثم يرى اليهود أنفسهم ليسوا على حال خير من حال قومه؛ إذ بدلوا دينهم وخالفوا ما كان عليه رسولهم، فيبدوا عليه الإعراض عنه.

وأعظم أنواع حيرته ما كان يراه في العرب أنفسهم من سخف في العقائد وضعف في البصائر، باستيلاء الأوهام عليهم وفساد أعمالهم وشؤمها في أحوالهم بتفرق الكلمة، وتفانيهم في سفك الدماء، والإشراف على الهلاك باستبعاد الغرباء لهم وتحكمهم فيهم، فالحبشة والفرس من جانب، والرومان من جانب آخر.

فما العمل في تقويم عقائدهم وتخليصهم من تحكم العادات فيهم؟ وأي الطرق ينبغي أن يُسلك في إيقاظهم من سباتهم؟ وقصارى ذلك أنه كان في قرارة نفسه يعتقد أن قومه قد ضلوا سواء السبيل وبدلوا دين أبيهم إبراهيم، وكانت حال أهل الأديان الأخرى ليست خيرًا من حالهم، لكن الإله الحكيم لم يتركه ونفسه، بل أنزل عليه الوحي يبين له أوضح السبل كما قال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢] (٢).

ويقول الأستاذ سيد قطب: ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد، منحرفة السلوك والأوضاع، فلم تطمئن روحُك إليها، ثم هداك الله، والهداية من حيرة العقيدة وضلال الشعاب فيها هي المنة الكبرى، التي لا تَعْدِلهُا منة؛ وهي الراحة


(١) الشفا (٢/ ١١٢: ١١٣).
(٢) تفسير المراغي (٣٠/ ١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>