للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطمأنينة من القلق الذي لا يعدله قلق ومن التعب الذي لا يعدله تعب (١).

قال ابن عاشور: والضّلال: عدم الاهتداء إلى الطريق الموصل إلى مكان مقصود سواء سلك السائر طريقًا آخر يبلغ إلى غير المقصود أم وقف حائرًا لا يعرف أيَّ طريق يسلك، وهو المقصود هنا؛ لأن المعنى: أنك كنت في حيرة من حال أهل الشرك من قومك، فأراكه الله غير محمود وكرَّهه إليك ولا تدري ماذا تتبع من الحق، فإن الله لما أنشأ رسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما أراد من إعداده لتلقي الرسالة في الإبان، ألْهَمَه أن ما عليه قومه من الشرك خطأ وألقى في نفسه طلب الوصول إلى الحق ليتهيأ بذلك لقبول الرسالة عن الله تعالى (٢).

وقال ابن عطية: هذا الضلال الذي ذكره الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أقرب ضلال وهو الكون واقفًا لا يميز المهيع لا أنه تمسك بطريق أحد بل كان يرتاد وينظر (٣).

المعنى الثامن: ووجدك طالبًا القبلة فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى: الطلب؛ لأن الضال طالب والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال الله عزَّ وجلَّ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: ١٤٤].

قال الرازى: ضالًّا عن القبلة، فإنه كان يتمنى أن تجعل الكعبة قبلة له وما كان يعرف أن ذلك هل يحصل له أم لا، فهداه الله بقوله: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: ١٤٤] فكأنه سمى ذلك التحير بالضلال.

المعنى التاسع: يقال: ضل الماء في اللبن إذا صار مغمورًا، فمعنى الآية: كنت مغمورًا بين الكفار بمكة فقواك الله تعالى حتى أظهرت دينه.

المعنى العاشر: العرب تسمي الشجرة الفريدة في الفلاة ضالة، كأنه تعالى يقول: كانت تلك البلاد كالمفازة ليس فيها شجرة تحمل ثمر الإيمان بالله ومعرفته إلا أنت، فأنت شجرة فريدة في مفازة الجهل فوجدتك ضالًا فهديت بك الخلق (٤).


(١) في ظلال القرآن (٦/ ٣٩٢٧).
(٢) التحرير والتنوير (٣٠/ ٤٠٠).
(٣) المحرر الوجيز (٥/ ٤٩٤).
(٤) تفسير الرازي (٣١/ ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>