للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢٧)، وقال: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)} [الشعراء: ٣]. باخع: أي مهلك نفسك بحزنك عليهم؛ ولهذا قال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ} يعني: القرآن {أَسَفًا} يقول: لا تهلك نفسك أسفًا، قال قتادة: قَاتِل نَفْسَكَ غضبًا وحزنًا عليهم. وقال مجاهد: جزعًا. والمعنى متقارب، أي: لا تأسف عليهم، بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات (١).

قال السعدي: ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على هداية الخلق، ساعيا في ذلك أعظم السعي، فكان - صلى الله عليه وسلم - يفرح ويسر بهداية المهتدين، ويحزن ويأسف على المكذبين الضالين، شفقة منه - صلى الله عليه وسلم - عليهم، ورحمة بهم، أرشده الله أن لا يشغل نفسه بالأسف على هؤلاء، الذين لا يؤمنون بهذا القرآن، كما قال في الآية الأخرى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) وقال: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، وهنا قال: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} أي: مهلكها، غمًا وأسفًا عليهم، وذلك أن أجرك قد وجب على الله (٢).

ومن الكبار الذين حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على دعوتهم للإسلام عمه أبو طالب، فعن سَعِيد بْن المسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ الله بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ المغِيرَةِ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ الله بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَاأَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ المُقَالَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: أَمَا وَالله لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ الله عزَّ وجلَّ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا


(١) تفسير ابن كثير (٣/ ٩٩).
(٢) تفسير السعدي (١/ ٤٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>