للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استوفى لذي الحق حقه وثبت الحكم (١).

وقال القاضي عياض: فالجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منزه أن يقع بنفس مسلم منه في هذه القصة أمر يريب ولكنه - صلى الله عليه وسلم - ندب الزبير أولا إلى الاقتصار على بعض حقه على طريق التوسط والصلح فلما لم يرض بذلك الآخر ولج وقال ما لا يجب استوفى النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير حقه ولهذا ترجم البخاري على هذا الحديث: (باب إذا أشار الإمام بالصلح فأبى) حكم عليه بالحكم: وذكر في آخر الحديث: فاستوفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ للزبير حقه.

وقد جعل المسلمون هذا الحديث أصلا في قضيته، وفيه الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في كل ما فعله في حال غضبه ورضاه وأنه وإن نهى أن يقضى القاضي وهو غضبان فإنه في حكمه في حال الغضب والرضا سواء لكونه فيها معصومًا، وغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا إنما كان لله تعالى لا لنفسه. (٢)

وقد نقل القاضي عياض إجماع العلماء على أنه لا يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم - خلف في القول في إبلاغ الشريعة والإعلام بما أخبر به عن ربه وما أوحاه إليه من وحيه لا على وجه العمد ولا على غير عمد ولا في حالي الرضا والسخط والصحة والمرض. (٣)

وقال الصنعاني: النهي ظاهر في التحريم وحمله الجمهور على الكراهة ... وصرح النووي بالكراهة في ذلك وإنما حملوه على الكراهة نظرًا إلى العلة المستنبطة لذلك وهي أنه لما رتب النهي على الغضب، والغضب بنفسه لا مناسبة فيه لمنع الحكم وإنما ذلك لما هو مظنة لحصوله وهو تشويش الفكر ومشغلة القلب عن استيفاء ما يجب من النظر وحصول هذا قد يفضي إلى الخطأ عن الصواب ولكنه غير مطرد مع كل غضب ومع كل إنسان فإن أفضى الغضب إلى عدم تمييز الحق من الباطل فلا كلام في تحريمه، وإن لم يفض إلى هذا الحد فأقل أحواله الكراهة وظاهر الحديث أنه لا فرق بين مراتب الغضب ولا بين أسبابه وخصه البغوي وإمام الحرمين بما إذا كان الغضب لغير الله وعلل بأن الغضب لله يؤمن


(١) تفسير القرطبي ٥/ ٢٥٥.
(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢/ ١٩٧.
(٣) المرجع السابق ٢/ ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>