للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقه وثانيًا أن يستوفي جميع حقه قوله (١).

وقال أيضًا: لو خالف فحكم في حال الغضب صح أن صادف الحق مع الكراهة هذا قول الجمهور وقد تقدم أنه - صلى الله عليه وسلم - قضى للزبير بشراج الحرة بعد أن أغضبه خصم الزبير لكن لا حجة فيه لرفع الكراهة عن غيره لعصمته - صلى الله عليه وسلم - فلا يقول في الغضب إلا كما يقول في الرضا.

قال ابن المنير: أدخل البخاري حديث أبي بكرة الدال على المنع ثم حديث أبي مسعود الدال على الجواز تنبيهًا منه على طريق الجمع بأن يجعل الجواز خاصًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لوجود العصمة في حقه والأمن من التعدي أو إن غضبه إنما كان للحق فمن كان في مثل حاله جاز وإلا منع وهو كما قيل في شهادة العدو إن كانت دنيوية رُدت وإن كانت دينية لم تُرد قاله ابن دقيق العيد وغيره (٢).

وقال القرطبي: فقه الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - سلك مع الزبير وخصمه مسلك الصلح فقال: اسق يا زبير لقربه من الماء ثم أرسل الماء إلى جارك أي تساهل في حقك ولا تستوفه وعجل في إرسال الماء إلى جارك، فحضه على المسامحة والتيسير فلما سمع الأنصاري هذا لم يرض بذلك غضب لأنه كان يريد ألا يمسك الماء أصلا وعند ذلك نطق بالكلمة الجائرة المهلكة الفاقرة فقال آن كان ابن عمتك بمد همزة أن المفتوحة على جهة الإنكار أي أتحكم له علي لأجل أنه قرابتك فعند ذلك تلون وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - غضبًا عليه وحكم للزبير باستيفاء حقه من غير مسامحة له، وعليه لا يقال: كيف حكم في حال غضبه وقد قال: " لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان"؟ فإنا نقول: لأنه معصوم من الخطأ في التبليغ والأحكام بدليل العقل الدال على صدقة فيما يبلغه عن الله تعالى فليس مثل غيره من الحكام.

وفي هذا الحديث إرشاد الحاكم إلى الإصلاح بين الخصوم وإن ظهر الحق ومنعه مالك واختلف فيه قول الشافعي وهذا الحديث حجة واضحة على الجواز فإن اصطلحوا وإلا


(١) فتح الباري ٥/ ٣٩.
(٢) فتح الباري ١٣/ ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>