للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشريفة؛ فالذي يجب اعتقاده تنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن يقع خبره في شيء من ذلك بخلاف مخبره لا عمدًا، ولا سهوًا، ولا غلطًا، وأنه معصوم من ذلك في حال رضاه، وحال سخطه، وجده ومزحه، وصحته ومرضه، ودليل ذلك اتفاق السلف وإجماعهم عليه، وذلك أَنَّا نعلم من دين الصحابة وعادتهم مبادرتهم إلى تصديق جميع أحواله، والثقة بجميع أخباره في أي باب كانت، وعن أي شيء وقعت، وأنه لم يكن لهم توقف ولا تردد في شيء منها ولا استثبات عن حاله عند ذلك هل وقع فيها سهو أم لا (١).

واستدل على ذلك بما جرى لسيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع ابن أبي الحقيق اليهودي حين أجلاهم من خيبر حيث احتج عليه عمر - رضي الله عنه - بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة؟ ! (٢)، فقال اليهودي: كانت هزيلة من أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - فقال له عمر: كذبت يا عدو الله! فأجلاهم عمر وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك (٣).

قال القاضي عياض: وأيضًا فإن أخباره وآثاره وسيره وشمائله معتنى بها مستقصى تفاصيلها، ولم يرد في شيء منها استدراكه - صلى الله عليه وسلم - لغلط في قول قاله، أو اعترافه بوهم في شيء أخبر به.

قال: ولو كان ذلك لنقل كما نقل من قصته في رجوعه - صلى الله عليه وسلم - عما أشار به على الأنصار في تلقيح النخل (٤)، وكان ذلك رأيًا لا خبرًا (يعني يدخله الصدق والكذب) إلى أن قال: فلنقطع عن يقين بأنه لا يجوز على الأنبياء خلف في قول أو فعل في وجه من الوجوه لا بقصد، ولا بغير قصد، ولا تسامح في تجويز ذلك عليهم حال السهو مما ليس طريقه البلاغ (٥).

وقد كانت جميع أقواله وأفعاله المتعلقة بأمور الدنيا، وأحوال نفسه الشريفة تشريعًا


(١) الشفا للقاضي عياض (١٥١).
(٢) البخاري (٢٧٣٠).
(٣) رد شبهات حول عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - في ضوء السنة النبوية الشريفة د. عماد السيد الشربيني (٤٠).
(٤) مسلم (٢٣٦٢).
(٥) الشفا (١٥٣، ١٥٢) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>