للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما موقف سعد بن عبادة ورده على سعد بن معاذ فأعاذه الله أن يكون أراد بموقفه هذا موافقة علي قول الإفك في عائشة ولا اعتراضًا علي عقوبة القائل. وهذا واضح من قول عائشة (وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ اِحْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّة) أي: أغضبته وحملته علي الجهالة. فهذا كلام خرج من سعد بن عبادة ساعة الغضب الذي عذر الله فيه ولم يقصد رمي أم المؤمنين.

وحمله بعض العلماء على أنه أراد أن يقول لسعد بن معاذ لا يجعل أمره إليك لأنه ليس من رهطك ولذلك لا تقتله ولا تقدر علي قتله. وقال الحافظ: وهو حمل جيد. (١)

وبعض الروايات: أن سعد بن عبادة ظن سعد بن معاذ يريد عود ما مضى من الحرب.

قال الحافظ: وَفي رِوَايَة اِبْن حَاطِب (فَقَالَ سَعْد بْن عُبَادَةَ: يَا ابْن مُعَاذ، وَالله مَا بِك نُصْرَة رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، وَلَكِنَّهَا قَدْ كَانَتْ بَيْنَنَا ضَغَائِن فِي الجاهِلِيَّة وَإِحَن لَمْ تَحْلُلْ لَنَا مِنْ صُدُوركُمْ، فَقَالَ اِبْن مُعَاذ: الله أَعْلَم بِمَا أَرَدْت).

قَالَ اِبْن التِّين: قَوْل اِبْن مُعَاذ (إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْس ضَرَبْت عُنُقه) إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوْس قَوْمه وَهُمْ بَنُو النَّجَّار، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الْخَزْرَج لمَا كَانَ بَيْنَ الْأَوْس وَالْخَزْرَج مِنْ التَّشَاحُن قَبْلَ الْإِسْلَام، ثُمَّ زَالَ بِالْإِسْلَامِ وَبَقِيَ بَعْضه بِحُكْمِ الْأَنَفَة. قَالَ: فَتكلَّمَ سَعْد بْن عُبَادَةَ بِحُكْمِ الْأَنَفَة وَنَفَى أَنْ يَحْكُم فِيهِمْ سَعْد بْن مُعَاذ وَهُوَ مِنْ الْأَوْس. قَالَ: وَلَمْ يُرِدْ سَعْد بْن عُبَادَةَ الرِّضَا بِمَا نُقِلَ عَنْ عَبْد الله بْن أُبَيٍّ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْل عَائِشَة (وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا) أَيْ لَمْ يَتَقَدَّم مِنْهُ مَا يَتَعَلَّق بِالْوُقُوفِ مَعَ أَنفَة الْحَمِيَّة، وَلَمْ تَرِدْ أَنَّهُ نَاضَلَ عَنْ المُنَافِقِينَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِلَّا أَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ بَنِي النَّجَّار قَوْم سَعْد بْن مُعَاذ خَطَأ وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ رَهْط سَعْد بْن عُبَادَةَ، وَلَمْ يَجْرِ لَهُمْ فِي هَذه الْقِصَّة ذِكْر (٢).

وَأَمَّا قَوْله: (لَا تَقْدِر عَلَى قَتْله) أي إِنْ كَانَ مِنْ الْخَزْرَج لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَأْمُر غَيْر قَوْمه بِقَتْلِهِ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ الحمِيَّة الَّتِي أَشَارَتْ إِلَيْهَا عَائِشَة، وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ مَا فَهِمَهُ المَذْكُور أَنَّهُ يَرُدّ أَمْر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَتْلِهِ وَلَا يَمْتَثِلهُ. واِعْتَذَرَ عَنْ قَوْل أُسَيْدِ بْن حُضيْرٍ لِسَعْدِ بْن


(١) فتح الباري (٨/ ٣٢٩).
(٢) فتح الباري (٨/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>