للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُبَادَةَ (إِنَّك مُنَافِق تجادل عن المنافقين) بأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ عَلَى جِهَة الْغَيْظ وَالْحَنَق وَالمُبَالَغَة فِي زَجْر سَعْد بْن عُبَادَةَ عَنْ المُجَادَلَة عَنْ اِبْن أُبَيٍّ وَغَيْره، وَلَمْ يَرُدّ النِّفَاق الَّذِي هُوَ إِظْهَار الْإِيمَان وَإِبْطَان الْكُفْر. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ يُظْهِر المَوَدَّة لِلْأَوْسِ ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّة ضِدّ ذَلِكَ فَأَشْبَهَ حَال المُنافِق لِأَنَّ حَقِيقَته إِظْهَار شَيْء وَإِخْفَاء غَيْره، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَب فِي تَرْك إِنْكَار النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ (١).

قلت: فظهر بهذا أن خلافهم كان عصبية وأنفة وسببه اختلافهم فيمن يباشر قتل عبد الله بن أبيّ، وليس اختلافًا في حديث الإفك هل وقع أو لا. وظهر أيضًا أن جميع الأنصار من الأوس والخزرج كانوا على اتفاق في أمر براءة الصديقة - رضي الله عنها - وإنما خلافهم كان في قتل القائل إن كان من الخزرج فمن الذي يباشر قتله. وهل تقدر الأوس على مباشرته أم لا. والله أعلم.

فما سبق هو موقف الأنصار. والفرق واضح بين الأنصار وبين المنافقين. ومن وقع من الأنصار وهو حسان أقيم عليه الحد تطهيرًا له.

وأما الفرية الثانية وهي أن عائشة فعلت هذا انتقامًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه تزوج عليها بزينب وجويرية:

والرد عليها من وجوه: الوجه الأول: أن هذا الكلام مبني على أنها فعلت ذلك فعلًا.

وقد قامت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول على براءة أم المؤمنين - رضي الله عنها -.

فأما من الكتاب فالآيات من سورة النور من (١١ - ٢٠)، والسنة فحديث القصة المذكور، وأما الإجماع فواضح إلا ما كان من الروافض ولا عبرة بخلافهم.

وأما المعقول: فمن مجيئها - رضي الله عنها - علي ظهر البعير في نحر الظهيرة أمام الكل، ولو كان في الأمر ريبة لما كان كذلك أبدًا ولحاولت هي وصفوان إخفاءه (٢).

الوجه الثاني: بمعرفة موقف عائشة - رضي الله عنها - يوم زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون بطلان هذه الفرية أكثر ظهورًا وتجليًا. فعن أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ


(١) السابق (٨/ ٣٣٠).
(٢) تفسير ابن كثير، بتصرف سورة النور ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>