للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليكشف عن ضخامة الحادث، وعمق جذوره، وما وراءه من عصبة تكيد للإسلام والمسلمين هذا الكيد الدقيق العميق اللئيم. ثم سارع بتطمين المسلمين من عاقبة هذا الكيد {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.

خير. فهو يكشف عن الكائدين للإسلام في شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته! (١)

وقال أبو حيان: وكان ذلك من عبد الله بن أُبي لإمعانه في عداوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وانتهازه الفرصَ، وروي عنه كلام قبيح في ذلك نزهت كتابي عن ذكره وقلمي عن كتابته قبحه الله اهـ. (٢)

وقال الرازي: وأجمع المسلمون على أن المراد ما أفك به على عائشة، وإنما وصف الله تعالى ذلك الكذب بكونه إفكًا؛ لأن المعروف من حال عائشة خلاف ذلك لوجوه:

أحدهما: أن كونها زوجة للرسول - صلى الله عليه وسلم - المعصوم يمنع من ذلك. لأن الأنبياء مبعوثون إلى الكفار ليدعوهم ويستعطفوهم، فوجب أن لا يكون معهم ما ينفرهم عنهم وكون الإنسان بحيث تكون زوجته مسافحة من أعظم المنفرات، فإن قيل: كيف جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة وأيضًا فلو لم يجز ذلك لكان الرسول أعرف الناس بامتناعه ولو عرف ذلك لما ضاق قلبه، ولما سأل عائشة عن كيفية الواقعة، قلنا: الجواب عن الأول أن الكفر ليس من المنفرات، أما كونها فاجرة فمن المنفرات.

والجواب عن الثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما كان يضيق قلبه من أقوال الكفار مع علمه بفساد تلك الأقوال، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧)} (الحجر: ٩٧) فكان هذا من هذا الباب.

وثانيها: أن المعروف من حال عائشة قبل تلك الواقعة إنما هو الصون والبعد عن مقدمات الفجور، ومن كان كذلك كان اللائق إحسان الظن به.


(١) الظلال (٥/ ٢٦٥).
(٢) البحر المحيط.

<<  <  ج: ص:  >  >>