للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثالثها: أن القاذفين كانوا من المنافقين وأتباعهم، وقد عرف أن كلام العدو المفترى ضرب من الهذيان، فلمجموع هذه القرائن كان ذلك القول معلوم الفساد قبل نزول الوحي. أما العصبة فقيل: إنها الجماعة من العشرة إلى الأربعين وكذلك العصابة واعصوصبوا: اجتمعوا، وهم عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس النفاق، وزيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم. أما قوله:

{مِّنكُم} فالمعنى أن الذين أتوا بالكذب في أمر عائشة جماعة منكم أيها المؤمنون، لأن عبد الله كان من جملة من حكم له بالإيمان ظاهرًا.

ورابعها: أنه سبحانه شرح حال المقذوفة ومن يتعلق بها بقوله: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، والصحيح أن هذا الخطاب ليس مع القاذفين، بل مع من قذفوه وآذوه، فإن قيل هذا مشكل لوجهين: أحدهما: أنه لم يتقدم ذكرهم. والثاني: أن المقذوفين هما عائشة وصفوان فكيف تحمل عليهما صيغة الجمع في قوله: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ}.

والجواب عن الأول: أنه تقدم ذكرهم في قوله: {مِنْكُمْ}، وعن الثاني: أن المراد من لفظ الجمع كل من تأذى بذلك الكذب واغتم، ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - تأذى بذلك وكذلك أبو بكر ومن يتصل به، فإن قيل: فمن أي جهة يصير خيرًا لهم مع أنه مضرة في العاجل؟ قلنا لوجوه: أحدهما: أنهم صبروا على ذلك الغم طلبًا لمرضاة الله تعالى فاستوجبوا به الثواب وهذه طريقة المؤمنين عند وقوع الظلم بهم.

وثانيها: أنه لولا إظهارهم للإفك كان يجوز أن تبقى التهمة كامنة في صدور البعض، وعند الإظهار انكشف كذب القوم على مر الدهر.

وثالثها: أنه صار خيرًا لهم لما فيه من شرفهم وبيان فضلهم من حيث نزلت ثمان عشرة آية كل واحدة منها مستقلة ببراءة عائشة، وشهد الله تعالى بكذب القاذفين ونسبهم إلى الإفك وأوجب عليهم اللعن والذم، وهذا غاية الشرف والفضل.

<<  <  ج: ص:  >  >>