قلت: وروايته هنا رواها عنه الواقدي وذكر الحديث الألباني في الضعيفة ثم قال: وهذا موضوع آفته محمد بن عمر -وهو الواقدي-؛ كذاب، وشيخه سليمان بن داود بن الحصين؛ لا يعرف؛ أورده ابن أبي حاتم (٤/ ١١١)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا ثم رأيت الحافظ قال في الفتح (٨/ ١٠٧): لا يعرف حاله. وإن مما يؤكد وضع الحديث؛ مخالفته لحديث عروة الذكور عن عائشة، فإن عروة وهو -ابن الزبير- من كبار التابعين وثقاتهم، وقد رواه عنه جمع من الثقات في مسند الإمام أحمد (٦/ ١٢١، ٢٠٠، ٢٧٠، ٢٧٤)، وصحيح البخاري (١٣٨٩)، ومسلم (٢٤٤٣)، وتابعه عندهما جماعة من الثقات عن عائشة، وكذلك في المسند (٦/ ٣٢، ٤٨، ٦٤، ٧٤، ٧٧، ٢٣١، ٢٧٤)، وابن سعد (٢/ ٢٦١، ٢٦٢). فهو حديث مشهور عن عائشة، إن لم يكن متواترًا. ولذلك جزم به إبراهيم النخعي فقال: قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يوص، وقبض وهو مستند إلى صدر عائشة. رواه ابن سعد بإسناد رجاله ثقات؛ غير عبد الرحمن بن جريس؛ ترجمه ابن أبي حاتم (٥/ ٢٢١)؛ ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. فمثل هذا الحديث المشهور عن عائشة يبعد جدًّا أن يخفى على ابن عباس -رضي الله عنه-! فنفيه عن عائشة وإثباته لعلي -رضي الله عنه-؛ إنما هو من صنع الكذابين من الشيعة أو من يساندهم. ونحوه ما رواه الواقدي أيضًا: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن حرام بن عثمان عن أبي حازم عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أن كعب الأحبار قام زمن عمر فقال -ونحن جلوس عند عمر أمير المؤمنين: ما كان آخر ما تكلم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال عمر: سل عليًّا. قال: أين هو؟ قال: هو هنا. فسأله، فقال علي: أسندته إلى صدري، فوضع رأسه على منكبي، فقال: "الصلاة الصلاة". فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أمروا، وعليه يبعثون. قال: فمن غسله يا أمير المؤمنين؟ قال: سل عليًّا. قال: فسأله؟ فقال: كنت أنا أغسله، وكان عباس جالسًا، وكان أسامة وشقران يختلفان إلي بالماء. أخرجه ابن سعد. قلت: وهذا موضوع أيضًا؛ والآفة الواقدي، أو الشيخ شيخه حرام بن عثمان؛ وقال الحافظ: وفي سنده الواقدي، وحرام بن عثمان؛ وهما متروكان. ومما يؤكد وضعه، أن في رواية لعائشة في حديثها التقدم: فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى"؛ حتى قبض. أخرجه البخاري (١٣٨٩). نعم؛ قد روي بإسناد آخر خير من هذا عن علي قال: كان آخر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم". وله شواهد خرجتها في الصحيحة (٨٦٨) من حديث أم سلمة وغيرها. فإن صح هذا القدر عن علي؛ فهو محمول على ما سمعه هو نفسه من النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه، فلا ينافي حينئذ قول عائشة المذكور؛ لأنه محدد لا يقبل التخصيص كما هو ظاهر لكل ذي عينين. ومن ذلك: ما رواه الواقدي: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي بن حسين قال: قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورأسه في حجر علي. أخرجه ابن سعد. قال الحافظ: فيه انقطاع، مع الواقدي. وعبد الله فيه لين. =