ومعلوم أن سكوت النبي -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذا الموقف يعد من الأخذ بالأسباب التي تخفف الغيرة.
الرواية الثانية: التي استدلوا بها على ما ذهبوا إليه من الطعن في أم المؤمنين - ضي الله عنها-: عن عائشة قالت: لما تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم سلمة حزنت حزنًا شديدًا لما ذكروا لنا من جمالها، قالت: فتلطفت لها حتى رأيتها، فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال، قالت: فذكرت ذلك لحفصة، وكانتا يدًا واحدة، فقالت: لا والله، إن هذه إلا الغيرة ما هي كما يقولون، فتلطفت لها حفصةُ حتى رأتها، فقالت: قد رأيتها ولا والله ما هي كما تقولين ولا قريب؛ وإنها لجميلة، قالت: فرأيتها بعد فكانت لعمري كما قالت حفصة، ولكني كنت غيري (١).
والرد على ذلك من وجوه:
أحدها: أن الحديث من رواية الواقدي وهو متروك.
الثاني: أنه لو صح لما كان فيه طعن في عائشة؛ لأن أمر الغيرة معفوُّ عنه كما سبق.
الثالث: أن أم المؤمنين -رضي الله عنها- هي التي روت ذلك على فرض صحته، فلو كان فيه شيء يسيء إليها كما يقولون ما نقلته، ولكنها تنقل ما لها وما عليها حفظًا لدين الله تعالى وهذا من أعظم المناقب.
الرابع: أن غيرة المرأة على زوجها تعني حبها له، وهذا ما كان بالفعل من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الرواية الثالثة: التي استدل بها مَنْ أساء الفهم على سوء الأخلاق من عائشة تجاه أم سلمة: عن أم سلمة: أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به الصحفة، فجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين فلقتي الصحفة ويقول:"كلوا غارت أمكم" مرتين، ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحفة عائشة فبعث بها إلى أم
(١) ضعيف جدًّا. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (٨/ ٩٥) من طريق محمد بن عمر، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به، ومن طريقه ابن الجوزي في المنتظم في أحداث السنة الرابعة من الهجرة، والبلاذري في أنساب الأشراف في أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وولده. وفي إسناده الواقدي وهو متروك.