للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلمة وأعطي صحفة أم سلمة عائشة. (١)

وهذه رواية صحيحة، أما موضع الاعتراض فهو من الغيرة، ويرون فيها إساءة لأم سلمة.

والرد على ذلك من وجوه.

الأول: ما سبق ذكره وبيانه من أن الغيرة معفوُّ عنها في نحو هذه الحدود.

الثاني: ومن الجبلة والفطرة أن الإنسان ربما يغار، وخاصة إذا كان مع أهل الفضل، فنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- تصيبهن الغيرة، وهذا قد يكون -في بعض الأحوال- من أصالة المرأة؛ لأنها إذا كملت محبتها لزوجها تفانت في هذه المحبة إلى درجة أنها تغار، فلما أُتي بالطعام غارت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، فضربت القصعة فكسرتها وسقط الطعام، حتى ورد في الخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل يقول: "غارت أمكم، غارت أمكم، غارت أمكم"، ومَنْ الذي لا يغار على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ! فلما كسر الإناء وذهب الطعام ندمت عائشة -رضي الله عنا-، وسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذا الأمر؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يضيع سعي العبد إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ما صنعت، فأمرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالضمان وقال: "إناء كإناء، وطعام كطعام" أي: اضمني إناءً مثل الإناء الذي كسرتيه، واضمني طعامًا مثل الطعام الذي أتلفتيه. (٢)


(١) صحيح. أخرجه النسائي (٧/ ٧٠)، وفي الكبرى (٨٩٠٤)، والطحاوي في مشكل الآثار (٢٨٣٩)، والخطيب في الأسماء المبهمة (١/ ١٢٨) من طريق ثابت عن أبي المتوكل عن أم سلمة به؛ وهذا إسناد صحيح. واختلف على ثابت فرواه عنه حماد بن سلمة عن أبي المتوكل كما هنا، ورواه الطبراني في الأوسط (٤٣٣٥) والصغير (٥٦٨) من طريق عبيد الله بن عمر، وأبو يعلى الخليلي (٣٣٣٩)، والدارقطني في السنن ٤/ ١٥٣ (١٤) من طريق عمران بن خالد الخزاعي -كلاهما [عمران] وعبيد الله، عن ثابت، عن أنس به. ورجح أبو زرعة الرازي فيما حكاه ابن أبي حاتم في العلل عنه رواية حماد بن سلمة؛ وقال أن: غيرها خطأ. اهـ. فتح الباري (٥/ ١٢٥).
وهو كما قال؛ لأن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت، فيحكم له عند الاختلاف على ثابت، وحديث أنس ثابت في الصحيح لكن بإبهام الزوجة التي أرسلت والتي كسرت الإناء أخرجه البخاري من طريق حميد عن أنس (٤٩٢٧).
وقال الطيبي: إنما أبهمت عائشة تفخيمًا لشأنها، وأنه مما لا يخفى ولا يلتبس أنها هي؛ لأن الهدايا إنما كانت تهدى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيتها. اهـ. فتح الباري (٥/ ١٢٤).
ولكن الصحيح الذي رجحه الحافظ أن التي أرسلت الطعام في رواية البخاري هي زينب لا أم سلمة؛ فيكون على هذا حديث حميد عن أنس في قصة زينب.
(٢) شرح زاد المستقنع لمحمد المختار الشنقيطي (٩/ ٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>