فدل هذا الحديث على أن الإتلاف والغصب يبتدأ في ضمانه بالمثل، وأن من أتلف شيئًا نأمره أن ينظر إلى مثل ذلك الشيء إن وجد، وأننا لا ننتقل إلى القيمة متى أمكن وجود المثل، وهذا الأصل دلت عليه سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ودل عليه صريح القرآن، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (النحل: ١٢٦)، وقال سبحانه وتعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (الشورى: ٤٠)، فقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} سَمَّى ضمان الشيء وردِّ الشَيء بمثله سيئة، وهذا ليس المراد منه أنها سيئة حقيقة، لأنه لو أساء إليك شخص فرددت إساءته بمثلها فلست بمسيء، فاستشكل العلماء -رحمهم الله- المثلية هنا؛ فقالوا: لأن الإنسان إذا أراد أن يرد سيئة ربما أخذته الحمية غالبًا فزاد وجار، ولذلك قال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (الشورى: ٤٠)، والغالب أن الإنسان لا يحتمل نفسه ولا يستطيع أن يأخذ القصاص مثلًا بمثل، لأن الحمق والغيظ يدفعه إلى الزيادة. الشاهد في قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (النحل: ١٢٦) فوجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نعاقب بالمثل، ومن أتلف شيئًا فإنه يجب علينا أن نعاقبه على ذلك الإتلاف فنأمره بمثله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ}، فإذا كسر إناء عاقبناه بالمثل وقلنا له: أحضر إناء مثل الإناء الذي كسرته، ولو أخذ سيارةً غصبًا فأتلفها قلنا له: ائت بسيارة مثل تلك السيارة وأعطها لصاحبها، فتلك عقوبة بالمثل وامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى في كتابه. وفي هذه الجملة دليل على أننا نضمن بالمثل، وهذا هو الصحيح من قول العلماء لظاهر القرآن وظاهر السنة، وهو مذهب الجمهور -رحمة الله عليهم- خلافا للشافعية وهو رواية عن الإمام أحمد. اهـ. شرح زاد المستقنع للشنقيطي (٩/ ٤٢٨). ثانيًا: كرم أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- في تعامله مع أهله وزوجه ومن ذلك أنه كان يُحسن إليهم، ويرأف بهم، ويتلطّف ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم، وكان من شأنه -صلى الله عليه وسلم- أن يرخم اسم عائشة كأن يقول لها: =