للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= "يا عائش"، ويُكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن يقول لها: "يا ابنة الصديق" وما ذلك إلا توددًا ويقربًا وتلطفًا إليها، واحترامًا وتقديرًا لأهلها.
ثالثًا: ومع هذا الحب والاحترام لم يكن يضيع حق أحد لحساب أحد، فقد كان عدله -صلى الله عليه وسلم- وإقامته شرع الله تعالى ولو على أقرب الأقربين استجابة لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (النساء: ١٣٥).
فكان يعدل بين نسائه -صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك ما جرى في هذه القصة، فهو -صلى الله عليه وسلم- قد وضع الأمر في نصابه فلم يفوتها لعائشة؛ لأنها حبيبته بنت حبيبه -رضي الله عنهم-، ولم يبالغ في العقوبة؛ لأنها أحرجته أمام الضيوف، وقد أرسل القصعة لأم سلمة تطييبًا لخاطرها مع أن الكل ملكه -صلى الله عليه وسلم-، وانظر مرقاة المفاتيح باب قيام شهر رمضان.
رابعًا: وكان يتحمل ما قد يقع من بعضهن من غيرة؛ كما كانت عائشة غيورة، ولذلك رد حق أم سلمة في الإناء، ولم ينتصر لنفسه فيما جرى، حتى قالت عائشة: ولم أرَ في وجهه غضبًا، ولم يعاتبني -صلى الله عليه وسلم-. اهـ. مشكل الآثار باب: بيان ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم- من قوله غارت أمكم.
خامسًا: فهو لم يتحمل فحسب بل من كريم خلقه أنه اعتذر عن زوجته أمام أصحابه بأمرين:
أولها: الغيرة التي هي طبيعة في النساء، قال ابن حجر -رحمه الله-: وقوله: "غارت أمكم" اعتذار منه -صلى الله عليه وسلم- لئلا يحمل صنيعها على ما يذم، بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة، فإنها مركبة في النفس بحيث لا يقدر على دفعها، وفيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما يصدر منها؛ لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبًا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة. فتح الباري باب الغيرة.
ثانيها: أنه ذكر أنها أم المؤمنين فيجب عليهم احترامها وبرها على كل حال حتى لو كانت غيري.
سادسًا: ومن أجل فوائد هذا الحديث حسنُ العشرة مع النساء سواءً كانت أم سلمة أو عائشة؛ وهذا من أجلِّ محاسن هذه الشريعة، فقد أمر الله تعالى بأن يُعاشر النساء بالمعروف فقال جل ذكره: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، والمعروف كلمة جامعة لكل فعل وقول وخلق نبيل، وكان من أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه. وهذا يبين لنا كيف عاش -صلى الله عليه وسلم- زوجًا؟ وكيف تعامل مع نسائه؟ وكيف راعى نفسياتهن؟ ولقد كثرت وصاياه وإرشاداته للرجال بضرورة رعاية حقهن زوجات، وأمهات لأولادهم؟ وحسبي أن أسوق بعض الأحاديث دون شرح أو تعليق، فهي كافية في إيضاح المراد مكتفيًا بالإشارة إلى بعض ما تدل عليه تلك الأحاديث الشريفة:
فقد أوصى بهن خيرًا في نصوص كثيرة منها: حديث أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة" أخرجه ابن ماجه (٣٦٧٨)، وأحمد ٢/ ٤٣٩، وابن حبان (٥٥٦٥)، والحاكم (١/ ١٣١) وقال: على شرط مسلم، وكذا قال الذهبي، وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (٢٤٤٧). =

<<  <  ج: ص:  >  >>