للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان ذلك شبيها بالمناظرات بين أهل العلم وقد كان بكل أدب، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرواية الصحيحة: "إنها ابنة أبي بكر" إشارة إلى كمال فهمها وحسن منطقها، قال ابن الملك وفي الحديث دلالة على جواز الانتقام بالحق لكن العفو أفضل لقوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}. (١)

وفي قوله: "إنها ابنة أبي بكر" إشارة إلى كمال فهمها ومتانة عقلها حيث صبرت إلى أن ثبت أن التعدي من جانب الخصم ثم أجابت بجواب إلزام. (٢)

٤ - وجاء في الرواية الصحيحة التي وقدت مع زينب -رضي الله عنها- ما يدل على الإنصاف والعدل وسمو الأخلاق من عائشة -رضي الله عنه-؛ حيث قالتْ قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم أرَ قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله عزَّ وجلَّ، ما عدا سَوْرَة (٣) من حد كانت فيها تسرع منها الفيئة.

٥ - إن الرد الذي وقع من عائشة على زينب في الرواية الصحيحة كان بإذن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان ردًا مؤدبًا، ومع ذلك فهو من باب الانتصار الذي قال الله فيه: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}.

٦ - قوله: "لا يكره أن انتصر" ليس فيه دليل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن لعائشة، ولا أشار بعينه ولا غيرها، بل لا يحل اعتقاد ذلك؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- تحرم عليه خائنة الأعين، وإنما فيه أنها انتصرت لنفسها فلم ينهها. (٤)

وخلاصة القول: إن هذا السياق منكر لا يصح، وما وافق منه الحديث الصحيح فهو في الرد على زينب وتوجيهه ما سبق. والله أعلم.

* * *


(١) تفسير حقي ١٣/ ١١٩.
(٢) حاشية السندي على سنن النسائي ٥/ ٣٦٦.
(٣) سَوْرَة بِسِينٍ مَفْتُوحَة وَسُكُون وَاو فَرَاءٍ فَهَاء أَيْ ثَوَرَان وَعَجَلَة (مِنْ حِدَّة).
(٤) شرح مسلم للنووي (١٥/ ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>