للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له بأن قال: أمسك مع علمه بأنه يطلق (١)، وأعلمه أن الله أحق بالخشية: أي في كل حال، قال علماؤنا -رحمة الله عليهم-: وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين كالزهري، والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي، وغيرهم. والمراد بقوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ} إنما هو إرجاف المنافقين؛ بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه، فأما ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هوى زينب امرأة زيد، وربما أطلق بعض المُجَّان لفظ عشق فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مثل هذا، أو مستخف بحرمته، قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأسند إلى علي بن الحسين قوله: فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهرًا من الجواهر، ودررًا من الدرر، أنه إنما عتب الله عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجك، فكيف قال بعد ذلك لزيد: أمسك عليك زوجك؟ وأخذتك خشيةُ الناس أن يقولوا: تزوج امرأة ابنه والله أحق أن تخشاه. اهـ. (٢)

ومن خلال هذا يبدو أن السبب في طلاق زيد لزينب ومن ثم زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- منها: هو ما كان بين زيد وبين زينب من خلافات، وأنه لم يكن بينهما وئام يؤمل معه أن تبقى الحياة الزوجية بينهما، فطلقها بمحض اختياره ورغبته، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهاه عن ذلك، وقد كان الله عزَّ وجلَّ قد أعلم نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن زيذا سيطلق زينب، وأنها ستكون زوجة له، وأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخفي هذا، ويخشى من مقولة الناس أنه تزوج مطلقة مَنْ كان يُدْعَى إليه، فعاتبه ربه على ذلك. (٣)


(١) ذكره ابن كثير في التفسير بإسناد أبي حاتم فقال: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق، حدثنا ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان قال: سألني علي بن الحسين ما يقول الحسن في قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}؟ فذكرت له فقال: لا، ولكن الله تعالى أعلم نبيه ... إلخ. وفي هذا الإسناد إلى عليِّ بن الحسين عليُّ بن زيد بن جدعان وهو ضعيف فيه تشيع، وقال ابن عدي: كان يغلوا في التشيع ومع ضعفه يكتب حديثه. تهذيب التهذيب (٥٤٤٦).
(٢) تفسير القرطبي (١٤/ ١٦٦).
(٣) تفسير الطبري (٢٢/ ١١)، وتفسير ابن كثير (٣/ ٤٨٩)، وانظر البخاري (٤٧٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>