٢ - فإن قيل لأي معنى قال له:{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وقد أخبره الله أنها زوجه؟ قلنا: أراد أن يختبر منه ما لم يُعلِمْه الله من رغبتِه فيها أو رغبتِه عنها، فعلم نفرة زيد عنها من جوابه له.
فإن قيل: كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لا بد منه، وهذا تناقض؟
قلنا: بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة، ألا ترى أن الله تعالى يأمر العبد بالإيمان وقد علم أنه لا يؤمن؟ فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلًا وحكمًا وهذا من نفيس العلم فتيقنوه وتقبلوه. (١)
٣ - وقوله تعالى:{لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} أي: إنما أبحنا لك تزويجها، وفعلنا ذلك لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة -رضي الله عنه- فكان يقول له: زيد بن محمد، فلما قطع الله تعالى هذه النسبة بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} ثم زاد ذلك بيانًا وتأكيدًا بوقوع تزويج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بزينب بنت جحش -رضي الله عنها- لما طلقها زيد بن حارثة -رضي الله عنه- ولهذا قال تعالى في آية التحريم {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} ليحترز من الابن الدعي فإن ذلك كان كثيرًا فيهم وقوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} أي: وكان هذا الأمر الذي وقع قد قدره الله تعالى وحتمه وهو كائن لا محالة، كانت زينب -رضي الله عنها- في علم الله ستصير من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال تعالى:{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} أي: فيما أحل له وأمره به من تزويج زينب -رضي الله عنها- التي طلقها دعيه زيد بن حارثة -رضي الله عنه-، وقوله تعالى:{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أي: هذا حكم الله تعالى في الأنبياء قبله لم يكن ليأمرهم بشيء وعليهم في ذلك حرج، وهذا رد على من توهم من المنافقين نقصًا في تزويجه امرأة زيد مولاه ودعيه الذي