ثم قال أيضًا: قوله فاعتزل النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءه من أجل ذلك الحديث الذي أفشته حفصة إلى عائشة كذا في هذه الطريق لم يفسر الحديث المذكور الذي أفشته حفصة، وفيه أيضًا: وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهرًا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله وهذا أيضًا مبهم ولم أره مفسرًا.
والمراد بالمعاتبة قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ}، وقد اختلف في الذي حرم على نفسه وعوتب على تحريمه كما اختلف في سبب حلفه على أن لا يدخل على نسائه على أقوال:
١ - فالذي في الصحيحين أنه العسل.
٢ - وذكرت في التفسير قولًا آخر أنه في تحريم جاريته مارية.
وذكرت هناك كثيرا من طرقه، ووقع في رواية يزيد بن رومان عن عائشة عند ابن مردويه ما يجمع القولين وفيه أن حفصة أهديت لها عكة فيها عسل، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل عليها حبسته حتى تلعقه أو تسقيه منها، فقالت: عائشة لجارية عندها حبشية -يقال لها خضراء-: إذا دخل على حفصة فانظري ما يصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل، فأرسلت إلى صواحبها، فقالت: إذا دخل عليكن فقلن إنا نجد منك ريح مغافير، فقال:"هو عسل، والله لا أطعمه أبدًا"، فلما كان يوم حفصة استأذنته أن تأتي أباها فأذن لها فذهبت فأرسل إلى جاريته مارية فأدخلها بيت حفصة، قالت حفصة: فرجعت فوجدت الباب مغلقًا فخرج ووجهه يقطر وحفصة تبكي فعاتبته فقال: "أشهدك أنها علي حرام انظري، لا تخبري بهذا امرأة وهي عندك أمانة" فلما خرج قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشرك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حرم أمته فنزلت.
وجاء في سبب غضبه منهن وحلفه أن لا يدخل عليهن شهرًا قصة أخرى فأخرج بن سعد من طريق حارثة بن أبي الرجال قال: دخلت مع القاسم بن محمد على عمرة بنت عبد الرحمن فقال القاسم: يا أم محمد، في أي شيء هجر رسول الله نساءه، فقالت عمرة: أخبرتني عائشة أنه أهدي إلى رسول الله هدية في بيتها فأرسل إلى كل امرأة من نسائه