عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونَي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. ٣٦ عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ ٣٧ فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ ٣٨ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ ٣٩ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ ٤٠ فَيُجِيبُ المُلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلَاءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ." (متى ٢٥/ ٣٤ - ٤٠)، ومن المعلوم أن أحدا في الدنيا لا يقول بأن الجائع المطعم هو الملك رغم قوله: "فبي فعلتم"، إذ هذا على سبيل تقريب المعاني، لا الحلول والتماهي بين الذوات.
ويشبهه ما جاء في إنجيل مرقس "فَأَخَذَ وَلَدًا وَأقامَهُ فِي وَسْطِهِمْ ثُمَّ احْتَضَنَهُ وَقَال لَهُمْ: ٣٧ "مَنْ قَبِلَ وَاحِدًا مِنْ أَوْلَادٍ مِثْلَ هذَا بِاسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي فَلَيْسَ يَقْبَلُنِي أَنَا بَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي"(مرقس ٩/ ٣٧: ٣٦)، فالنص لا يعني أن الطفل الذي رفعه المسيح هو ذات المسيح، ولا أن المسيح عليه السلام هو ذات الله، ولكنه يخبر - عليه الصلاة والسلام - أن الذي يصنع برا بحق هذا الطفل، فإنما يصنعه طاعة ومحبة للمسيح، لا بل طاعةً لله وامتثالًا لأمره.
وكما أن من يرى المسيح فكأنه يرى الله، فإنه من قبل المسيح وتلاميذه فكأنما قبل الله - عز وجل -، ومن كفر بهم ورفض دعوتهم فإنما رفض في الحقيقة دعوة الله، لذا يقول المسيح:"الَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَالَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَالَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي"(لوقا ١٠/ ١٦).
٢ - ويؤكده مرة أخرى فيقول:"مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُني يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي."(متى ١٠/ ٤٠)، وكذا من رأى المسيح فكأنه رأى الآب الذي أرسله، لأن "الْكَلَامُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَال (يوحنا ١٤/ ١٠). والرؤية في قوله: "الذي رآني فقد رأى الآب" معنوية مجازية، أي رؤية البصيرة، لا البصر، وهذه الرؤية متحققة لكل المؤمنين الذين هم من الله كما قال المسيح عليه السلام: "ليس أن أحدًا رأى الآب إلا الذي من الله، هذا قد رأى الآب" (يوحنا ٦/ ٤٦)، ومن العلوم أن كل