ومثل هذا السياق الوارد في يوحنا (١٤/ ٩) والذي يفيد الاشتراك في الحكم بين المسيح والله، والذي عبر عنه هنا بالرؤية، مثل هذا معهود في العهد القديم والجديد:
١ - ففي العهد القديم لما رفض بنو إسرائيل صموئيل "فَاجْتَمَعَ كُلُّ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ وَجَاءُوا إِلَى صَمُوئِيلَ إِلَى الرَّامَةِ ٥ وَقَالوا لَهُ: "هُوَذَا أَنْتَ قَدْ شِخْتَ، وَابْنَاكَ لَمْ يَسِيرَا فِي طَرِيقِكَ. فَالآنَ اجْعَلْ لَنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا كَسَائِرِ الشُّعُوبِ". ٦ فَسَاءَ الأَمْرُ فِي عَيْنَيْ صَمُوئِيلَ إِذْ قَالوا: "أَعْطِنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا". وَصَلَّى صَمُوئِيلُ إِلَى الرَّبِّ. ٧ فَقَال الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: "اسْمَعْ لِصَوْتِ الشَّعْبِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ لَكَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَرْفُضُوكَ أَنْتَ بَلْ إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لَا أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ." (صموئيل (١) ٨/ ٤ - ٧)، إذ رفضهم طاعة صموئيل هو عصيان لله في الحقيقة.
٢ - وكذا في العهد الجديد، فقد قال بطرس لحنانيا الكاهن مبكتا إياه على أكل ثمن الحقل: "أَليْسَ وَهُوَ بَاق كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلمَّا بِيعَ، أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟ فَمَا بَالكَ وَضَعْتَ فِي قَلْبِكَ هذَا الأَمْرَ؟ أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّاسِ بَلْ عَلَى الله"."(أعمال الرسل ٥/ ٤)، فالكذب على الناس هنا كذب على الله في الحقيقة، ولا يعني أن الناس والله ذات واحدة.
٣ - وقوله:"أنا هو الطريق والحق والحياة" يقصد فيه المسيح الالتزام بتعليمه ودينه الذي أنزله الله عليه، فذلك فقط يدخل الجنة دار الخلود، كما قال في موطن آخر:"لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّماوَاتِ."(متى ٧/ ٢١)، فالخلاص بالعمل الصالح والبر " فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ. "قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لَا تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. ٢٢ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلًا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَال لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الجْمَعِ، وَمَنْ قَال: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ." (متى ٥/ ٢٠ - ٢٢).
٤ - ويتأكد ضعف الاستدلال بهذا الدليل للنصارى "الذي رآني فقد رأى الآب" إذا آمنا أن رؤية الله ممتنعة في الدنيا، كما قال يوحنا: "الله لم يره أحد قط" (يوحنا ١/ ١٨)،