وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، فَخَلَقَ الله الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ الله خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى ... " (تكوين: ١/ ٢٦ - ٢٧). يقول مفسرو التوراة: إن المقصود بكون الإنسان خلق على صورة الله، هو ما يتميز به الإنسان عن الجمادات والنباتات والحيوانات بالعقل الكامل، والقدرة على النطق، والتعبير عما يريد، وبالإرادة والاختيار الحر وبالاستطاعة والقدرة، فضلا عن السمع والبصر والحياة والإدراك والعلم ... الخ، أي أن هناك تشابه عام بين صورة الله في صفاته والإنسان، لذا قال سبحانه: إنه خلق الإنسان على صورته، وبتعبير آخر إن الله شاء أن يخلق مخلوقا تنعكس وتتجلى فيه ومضة من صفاته تعالى، من العقل والإرادة والاختيار والحياة والعلم والمعرفة والكلام والقدرة والسمع والبصر ... الخ. ولما كانت صفات الكمال، من قوة وقدرة وعقل وحكمة، موجودة في الرجل أكثر من المرأة، لذا نجد بولس يعبر عن الرجل - كل رجل - بأنه "صورة الله" فيقول مثلًا في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس (١١/ ٧): "وأما الرجل فما عليه أن يغطي رأسه لأنه صورة الله ومجده". أما قول بولس عن المسيح في الشاهد الثاني: "فمع أنه في صورة الله، لم يعد مساواته لله غنيمة، بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان ... الخ"، فقد يظن البعض أن فيه تصريحًا بألوهيته؛ لأنه صرح بمساواته لله، وبأنه تجسّد وأخذ صورة العبد ولبس لباس البشر، فصرح بالتجسّد.
فنقول: إن قوله "مساواته لله" ليست إلا تعبيرا آخر عن عبارته "أنه في صورة الله" والتي عرفنا أن المقصود منها: أنه لما كان الإنسان الكامل مجلى وصورة تنعكس فيها صفات الحق جلَّ وعلا، من عقل كامل وعلم وإرادة واختيار وقدرة وعدل وحكمة، وطهر وقداسة، وحب ورحمة ورأفة ..... الخ؛ لذا عبر عنه بأنه صورة الله، ومماثل لله، فيقول بولس: إن المسيح لم يستغل هذا التناظر والتساوي (الصفاتي الصوري) مع الله، لكي يفتخر ويتكبر ولا يخضع لله ويرى أنه صار على مستوى الله، كلا وحاشا، ولعله في هذا يلمِّح إلى آدم الذي -