حسبما تنقل التوراة التي تشكل خلفية فكر بولس باعتباره كان من أحبار اليهود - حاول أن يستغل قدرته وإرادته الحرة للأكل من الشجرة المحرمة، ليكون مساويًا لله في علمه وأبديته، حيث إن الشجرة - حسب نقل تلك التوراة - كانت شجرة معرفة الخير والشر وشجرة الخلد والملك الذي لا يبلى ولا يفنى، أما المسيح فعلى العكس اختار التواضع والطاعة لمشيئة أبيه ووضع نفس واستسلم للموت - على حد قول بولس -.
وأما قوله عن المسيح: إنه صار على مثال البشر وظهر بهيئة إنسان، فيعود لفكرة بولس عن المسيح التي سبق وشرحناها، وهي أنه يرى في المسيح أولى (أو بتعبيره: بكر) خليقة الله، فكان كائنًا روحيًّا قبل خلق العالم وبه وفيه خلق الله سائر الأشياء، فليس في تجسده أي إشارة للألوهية أو دلالة عليها.
ولا يختلف تجسده عن تجسد جبريل الأمين لما ظهر لمريم أو تجسد الملائكة الثلاثة الذين زاروا إبراهيم عليه السلام، إذ من البديهي أن التجسد بحد ذاته، لا يعني أكثر من ظهور كائن روحي بمظهر جسدي إنساني، أما أن هذا الكائن الروحي كان قبل تجسده إلهًاو غير إله، فهذا يحتاج لدليل آخر.
الثاني: وإذا نظرنا إلى تتمة كلام بولس؛ ظهر لنا بكل وضوح انتفاء قصد إلهية المسيح واستحالة كون المسيح هو الله في نظر بولس، حيث قال:"فوضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله إلى العلى ووهب له الاسم الذي يفوق جميع الأسماء ... "(فيليبي: ٢/ ٨ - ٩).
فعبارات: أنه مات ثم رفعه الله إلى العلا ووهب له الاسم ... تصيح بأعلى صوتها أن المسيح ليس الله، بل عبد لله، محتاج له، وليس بإله؛ لأن الإله لا يموت ولا يحتاج لمن يرفعه للعلا، ولا لمن يهبه أي شيء!
الثالث: أنه يظهر لنا من خلال ما سبق ما يلي:
١ - هذه الأقوال صدرت عن بولس، الذي لم يتشرف برؤية المسيح عليه السلام، ولا التلمذة على يديه، ولا نرى مثل هذه العبارات عند أحد من تلاميذ المسيح وحوارييه، وهذا كاف