للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الأول: هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ولا يوجد في شيءٍ من دواوين الحديث التي يُرجَع إليها في معرفة الحديث، ولا له إسنادٌ معروفٌ، وهذا المُحْتَجُّ به لم يذكر له إسنادًا، وعليه فإن الاحتجاج بهذا الحديث لا يجوز.

الوجه الثاني: أنَ من الجهل أن يُروَى مثل هذا عن عبدِ الله بن عمرَ، وعبدُ الله بن عمرَ كان من أبعد الناس عن ثلب الصحابة -رضي الله عنهم-، وأروى الناس لمناقبهم، وقولُه في مدح معاويةَ معروف ثابت عنه حيث يقول: ما رأيت بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسودَ من معاوية، قيل له: ولا أبو بكرٍ وعمرَ! فقال: كان أبو بكرٍ وعمرُ خيرًا من معاويةَ، وما رأيتُ بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسود منه.

قال أحمد بن حنبل: السيد الحليم -يعني معاوية-، وكان معاوية كريمًا حليمًا. (١)

الوجه الثالث: ثم إن خُطَبَ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تكن واحدةً، بل كان يخطب في الجُمَع، والأعياد، والحج، وغير ذلك، ومعاوية، وأبوه يشهدان الخطب كما يشهدها المسلمون كلُّهم، أَفَتَراهما في كل خطبةٍ كانا يقومان، ويُمَكَّنَان من ذلك؟ هذا قدح في النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي سائر المسلمين إذ يُمَكِّنون اثنين دائمًا يقومان، ولا يحضران الخطبة، ولا الجمعة، وإن كانا يشهدان كل خطبة فما بالهما يمتنعان من سماع خطبةٍ واحدة قبل أن يتكلم بها.

الوجه الرابع: من المعلوم من سيرة معاوية -رضي الله عنه- أنه كان من أحلم الناس، وأصبرهم على من يؤذيه، وأعظم الناس تأليفًا لمن يعاديه فكيف ينفر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أنه- أي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظمُ الخلق مرتبةً في الدين، والدنيا، وهو محتاج إليه في كل أموره، فكيف لا يصبر على سماع كلامه وهو بعد الملك كان يسمع كلام من يسبه في وجهه! ! فلماذا لا يسمع كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ وكيف يتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- كاتبًا من هذه حالُه؟

الوجه الخامس: أنَّ قولَه: إنه أخذ بيد ابنه يزيد، فيزيدُ وُلدَ في خلافة عثمان -رضي الله عنه- باتفاق أهل العلم، ولم يكن لمعاوية -رضي الله عنه- ولدٌ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال الحافظ أبو الفضل بن


(١) منهاج السنة (٤/ ٤٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>