الحي يقصون له الطريق، ويسلكون به الأزقة، حتى أفضى إلى النخع، فقال عند ذلك: انصرفوا، رحمكم الله. فانصرفوا عنه، وأقبل إلى دار عبد الله بن الحارث أخي الأشتر، فدخلها، فإنه لكذلك قد ألقى له عبد الله الفرش، وبسط له البسط، وتلقاه ببسط الوجه وحسن البشر إذ أتي فقيل له: إن الشرط تسأل عنك في النخع وذلك أن أمة سوداء يقال لها: أدماء لقيتهم، فقالت لهم: من تطلبون؟ قالوا: نطلب حجرًا، فقالت: هو ذا قد رأيته في النخع، فانصرفوا نحو النخع؛ فخرج متنكرًا، وركب معه عبد الله ليلًا حتى أتى دار ربيعة بن ناجذ الأزدي، فنزل بها، فمكث يومًا وليلة. فلما أعجزهم أن يقدروا عليه دعا زياد محمد بن الأشعث، فقال: أما والله لتأتيني بحجر أولا أدع لك نخلة إلا قطعتها، ولا دارًا إلا هدمتها، ثم لا تسلم مني بذلك حتى أقطعك إربًا إربًا. فقال له: أمهلني أطلبه. قال: قد أمهلتك ثلاثًا، فإن جئت به وإلا فاعدد نفسك من الهلكى. وأخرج محمد نحو السجن وهو منتقع اللون يتل تلًا عنيفًا، فقال حجر بن يزيد الكندي من بني مرة لزياد: ضمنيه وخل سبيله ليطلب صاحبه، فإنه مخلى سربه أحرى أن يقدر عليه منه إذا كان محبوسًا. قال: أتضمنه لي؟ قال: نعم. قال: أما والله لئن حاص عنك لأوردنك شعوب، وإن كنت الآن عليَّ كريمًا. قال: إنه لا يفعل. فخلى سبيله.
ثم إن حجر بن يزيد كلمه في قيس بن يزيد، وقد أتي به أسيرًا، فقال: ما عليه من بأس، قد عرفنا رأيه في عثمان -رضي الله عنه-، وبلاءه مع أمير المؤمنين بصفين، ثم أرسل إليه فأتي به، فقال: قد علمت أنك لم تقاتل مع حجر أنك ترى رأيه، ولكن قاتلت معه حمية، وقد غفرنا لك لما نعلمه من حسن رأيك، ولكن لا أدعك حتى تأتيني بأخيك عمير. قال: آتيك به إن شاء الله. قال: هات من يضمنه معك. قال: هذا حجر بن يزيد. قال حجر: نعم، على أن تؤمنه على ماله ودمه. قال: ذلك لك.
فانطلقا فأتيا به، فأمر به فأوقر حديدًا، ثم أخذته الرجال ترفعه، حتى إذا بلغ سررها ألقوه، فوقع على الأرض، ثم رفعوه فألقوه، ففعل به ذلك مرارًا، فقام إليه حجر بن يزيد، فقال: أو لم تؤمنه؟ قال: بلى، لست أهريق له دمًا، ولا آخذ له مالًا. فقال: هذا يشفي به