وطلب أبو الأعور في عتبة بن الأخنس فوهبه له، وطلب حمزة من مالك الهمداني في سعيد بن نمران فوهبه له، وطلب حبيب بن مسلمة في عبد الله بن جؤية التميمي فخلى سبيله.
فقام مالك بن هبيرة، فسأله في حجر فلم يشفعه؛ فغضب، وجلس في بيته. وبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي والحصين بن عبد الله الكلابي، وآخر معهما يقال له: أبو صريف البدري، فأتوهم عند المساء، فقال الخثعمي حين رأى الأعور: يُقتَل نصفنا وينجو نصفنا. فقال سعيد بن نمران: اللهم اجعلني ممن ينجو، وأنت عني راضٍ. فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي: اللهم اجعلني ممن يكرم بهو أنهم وأنت عني راض، فطالما عرضت نفسي للقتل، فأبى الله إلا ما أراد.
فجاء رسول معاوية إليهم فإنه لمعهم إذ جاء رسول بتخلية ستة منهم وبقي ثمانية. فقال لهم رسول معاوية: إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له، فإن فعلتم هذا تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، وأمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت بشهادة أهل مصركم عليكم، غير أنه قد عفا عن ذلك فابرءوا من هذا الرجل يخل سبيلكم. قالوا: لسنا فاعلين؛ فأمر بقيودهم فحلت، وأتي بأكفانهم فقاموا الليل كله يصلون. فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء، قد رأيناكم البارحة أطلتم الصلاة، وأحسنتم الدعاء، فأخبرونا ما قولكم في عثمان، قالوا: هو أول من جار في الحكم، وعمل بغير الحق. فقالوا: أمير المؤمنين كان أعرف بكم. ثم قاموا إليهم وقالوا: تبرءون من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه، فأخذ كل رجل منهم رجلًا يقتله، فوقع قبيصة في يدي أبي صريف البدري، فقال له قبيصة: إن الشر بين قومي وقومك أمينٌ، أي آمِنٌ فليقتلني غيرُك، فقال: برَّتك رحم. فأخذ الحضرمي فقتله، وقتل القضاعي صاحبه، ثم قال لهم حجر: دعوني أصلي ركعتين، فإني والله ما توضأت قط إلا صليت، فقالوا له: صل، فصلى ثم انصرف، فقال: والله ما صليتُ صلاةً قط أقصر منها، ولولا أن يروا أن ما بي جزعٌ من الموت لأحببتُ أن أستكثر منها، ثم قال: اللهم إنا نستعديك على أمتنا، فإن أهل الكوفة قد شهدوا علينا، وإن أهل