الشام يقتلوننا (١)، أما والله لئن قتلتمونا فإني أول فارسٍ من المسلمين سلك في واديها، وأول رجلٍ من المسلمين نبحته كلابها، فمشى إليه هدبةُ بنُ الفياض الأعورُ بالسيف، فأرعدت خصائله، فقال: كلا، زعمت أنك لا تجزع من الموت، فإنا ندعك، فابرأ من صاحبك. فقال: ما لي لا أجزع، وأنا أرى قبرًا محفورًا، وكفنًا منشورًا، وسيفًا مشهورًا، وإني والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب، فقتله.
وأقبلوا يقتلونهم واحدًا واحدًا حتى قتلوا ستة نفرٍ، فقال عبد الرحمن بن حسان وكريم بن عفيف: ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين، فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية فأخبروه، فبعث: ائتوني بهما، فالتفتا إلى حجر، فقال له العنزي: لا تبعد يا حجر، ولا يبعد مثواك؛ فنعم أخو الإسلام كنت، وقال الخثعمي نحو ذلك. ثم مضى بهما، فالتفت العنزي، فقال متمثلًا:
فلما دخل عليه الخثعمي قال له: الله مالله يا معاوية! إنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة، ومسئول عما أردت بقتلنا، وفيما سفكت دماءنا. فقال: ما تقول في علي؟ قال: أقول فيه قولك، أتبرأ من دين عليٍّ الذي كان يدين الله به! وقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه، فقال: هو لك، غير أني حابسه شهرًا، فحبسه، ثم أطلقه على ألا يدخل الكوفة ما دام له سلطان. فنزل الموصل، فكان ينتظر موت معاوية ليعود إلى الكوفة، فمات قبل معاوية بشهر.
وأقبل على عبد الرحمن بن حسان، فقال له: يا أخا ربيعة، ما تقول في علي؟ قال: أشهد أنه من الذاكرين الله كثيرًا والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والعافين عن الناس. قال: فما تقول في عثمان؟ قال: هو أول من فتح أبواب الظلم، وأرتج أبواب الحق، قال: قتلتَ نفسك، قال: بل إياك قتلتُ، لا ربيعةَ بالوادي؛ يعني أنه ليس ثَمَّ أحد من قومه
(١) وهذا على فرض صحته فيه اعتذارٌ عن معاوية -رضي الله عنه- فيما فعل؛ لأنه ما قتله إلا بعد شهادة أهل بلده عليه.