للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجازية، وهي رؤية المعرفة، وإلا لزم النصارى أن يذكروا دليلا على رؤية إبراهيم للابن الذي هو الأقنوم الثاني، أو أن يثبتوا لجسد المسيح وجودا زمن إبراهيم - عليه السلام -، وقول المسيح: "من قبل أن يكون إبراهيم كنت أنا" (يوحنا ٨/ ٥٦ - ٥٨)، لا يدل على وجوده في الأزل، وغاية ما يفيده النص - إذا أخذ على ظاهره - أن للمسيح - عليه السلام - وجودًا أرضيًا يعود إلى زمن إبراهيم، وزمن إبراهيم لا يعني الأزل.

٥ - ثم لو كان المسيح أقدم من إبراهيم وسائر المخلوقات، فإن له من يشاركه في هذه الأقدمية، وهو النبي إرمياء، والذي عرفه الله منذ القدم وقدسه قبل أن يخرج من رحم أمه، إذ يقول عن نفسه: " فَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلًا: "قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ. جَعَلْتُكَ نَبِيًّا لِلشُّعُوبِ" (إرمياء ١/ ٤ - ٥)، وقال عنه ابن سيراخ في حكمته: "وهو الذي قدس في جوف أمه" (ابن سيراخ ٤٩/ ٧)، وهذه المعرفة الإلهية لإرمياء بلا ريب أشرف من معرفة إبراهيم للمسيح وأقدم، ولا تستلزم وجودًا حقيقيًّا له على الأرض.

٦ - وممن شارك المسيح في هذه الأزلية المدعاة، ملكي صادق كاهن ساليم في عهد إبراهيم، فإن بولس يزعم أن لا أب له ولا أم، ويزعم أن لا بداية له ولا نهاية، أي هو أزلي أبدي، يقول بولس: "لأَنَّ مَلْكِي صادَقَ هذَا، مَلِكَ سَالِيمَ، كَاهِنَ الله الْعَليِّ، الَّذِي اسْتَقْبَلَ إِبْرَاهِيمَ رَاجِعًا مِنْ كَسْرَةِ المُلُوكِ وَبَارَكَهُ، ٢ الَّذِي قَسَمَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عُشْرًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. المُتَرْجَمَ أَوَّلًا "مَلِكَ الْبِرِّ" ثُمَّ أيضًا "مَلِكَ سَالِيمَ" أَيْ "مَلِكَ السَّلَامِ" بِلَا أَبٍ، بِلَا أُمٍّ، بِلَا نَسَبٍ. لَا بَدَاءَةَ أَيَّامٍ لَهُ وَلَا نِهَايَةَ حَيَاةٍ. بَلْ هُوَ مُشَبَّهٌ بِابْنِ الله. هذَا يَبْقَى كَاهِنًا إِلَى الأَبَدِ." (عبرانيين ٧/ ١ - ٣)، فلم لا يقول النصارى بألوهية ملكي صادق الذي يشبه بابن الله، لكثرة صور التشابه بينهما، بل هو متفوق على المسيح الذي يذكر النصارى أنه صلب ومات، وله أم بل وأب - حسب ما أورده متى ولوقا -، في حين أن ملكي صادق قد تنزه عن ذلك كله!

٧ - ومن هؤلاء الذين كانوا قبل إبراهيم ويستحقون الأزلية - لو فهمت النصوص

<<  <  ج: ص:  >  >>