للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأن لم يكن فأنَّبه مؤنِّب عليه ولامه، حسن منه أن يحتج بالقدر بعد ذلك ويقول هذا أمر كان قد قدر على قبل أن أخلق فإنه لم يدفع بالقدر حقا، ولا ذكره حجة له على باطل ولا محذور في الاحتجاج به، وأما الموضع الذي يضر الاحتجاج به ففي الحال والمستقبل بأن يرتكب فعلا محرمًا أو يترك واجبًا فيلومه عليه لائم فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره فيبطل بالاحتجاج به حقًّا ويرتكب باطلًا كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم غير الله فقالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، ... ثم قال: ونكتة المسألة أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعا فالاحتجاج بالقدر باطل. (١)

ونحن نقول إن اللوم مرفوع عن معاوية من وجهين:

الأول: أنه مجتهد لم يعلم أنه أخطأ ولو علم لرجع.

الثاني: أنه مات فما فائدة اللوم بعدما مات؟ فلم يكن أمامنا إلا التسليم بالقدر.

٣ - ومما يؤكد أن الأمر قدري ولابد من حدوثه إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - به على وجه العموم كما في حديث سفينة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك من يشاء أو ملكه من يشاء". (٢)

وعن النعمان بن بشير قال - صلى الله عليه وسلم -: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا


(١) شفاء العليل (١٨).
(٢) صحيح. أخرجه أبو داود (٤٦٤٧) من طريق العوام بن حوشب و (٤٦٤٦) من طريق عبد الوارث بن سعيد، والترمذي (٢٢٢٦)، وأحمد (٥/ ٢٢١)، والطيالسي في مسنده (١٠١٧) من طريق حشرج بن نباتة، وابن الجعد في مسنده (٣٣٢٣) عن حماد بن سلمة، ومن طريقه ابن حبان (١٥/ ٣٩٢) جميعهم عن سعيد بن جهمان عن سفينة به. وسعيد بن جهمان: قال ابن معين، وأبو داود، وأحمد: ثقة.، وقال النسائي: لا بأس به.

<<  <  ج: ص:  >  >>