للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان آدم قد تاب.، وتاب الله عليه الله واجتباه: فإن معاوية - رضي الله عنه - لو صح عنده ما ينسب إلى يزيد ما فعل ولو فرض أنه عاش ورأى ما حدث في أيامه واستطاع عزله لعزله وهذا ما نظنه بمعاوية - رضي الله عنه -.

وواضح أيضا من هذا الحديث أن آدم احتج بالقدر على المصيبة لا على المخالفة لأن موسى أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم على ذنب قد تاب منه فاعله فاجتباه ربه بعده وهداه واصطفاه وآدم أعرف بربه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته بل إن ملام موسى لآدم لم يكن لحق الله، وإنما كان لما لحقه وغيره من الآدميين من المصيبة بسبب ذلك الفعل فذكر له آدم أن هذا كان أمرًا مقدرًا لا بد من كونه، والقدر يحتج به في المصائب دون المعائب أي أتلومني على مصيبة قدرت علي وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا والمصائب التي تصيب العباد يؤمرون فيها بالصبر، فإنَّ هذا هو الذي ينفعهم، وأما لومهم لمن كان سببًا فيها فلا فائدة لهم في ذلك وكذلك ما فاتهم من الأمور التي تنفعهم يؤمرون في ذلك بالنظر إلى القدر، وأما التأسف والحزن فلا فائدة فيه فما جرى به القدر من فوت منفعة لهم أو حصول مضرة لهم فلينظروا في ذلك إلى القدر وأما ما كان بسبب أعمالهم فليجتهدوا في التوبة من المعاصي والإصلاح في المستقبل فإن هذا الأمر ينفعهم وهو مقدور لهم بمعونة الله لهم (١) ونفس هذا الكلام نحن نقول به في معاوية - رضي الله عنه -.

وأيضا فإن الاحتجاج بالقدر بعد رفع اللوم جائز.

قال ابن القيم رحمه الله: الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع، ويضر في موضع، ويضر في موضع فينفع إذا احتج به بعد وقوعه، والتوبة منه، وترك معاودته كما فعل آدم فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد، ومعرفة أسماء الرب وصفاته، وذكرها ما ينتفع به الذاكر، والسامع لأنه لا يدفع بالقدر أمرًا ولا نهيًا، ولا يبطل به شريعة بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوة يوضحه أن آدم قال لموسى أتلومني على أن عملت عملًا كان مكتوبا علي قبل أن أخلق فإذا أذنب الرجل ذنبا ثم تاب منه توبة وزال أمره حتى


(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ٥٠٥)، وشفاء العليل صـ (١٧، ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>