للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أهل المدينة النبوية نقضوا بيعته وأخرجوا نوابه وأهله فبعث إليهم جيشًا وأمره إذا لم يطيعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيف ويبيحها ثلاثًا فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثًا يقتلون وينهبون ويفتضون الفروج المحرمة ثم أرسل جيشًا إلى مكة المشرفة فحاصروا مكة وتوفي يزيد وهم محاصرون مكة وهذا من العدوان والظلم الذي فعل بأمره، ولهذا كان الذي عليه معتقد أهل السنة وأئمة الأمة أنه لا يسب ولا يحب، قال صالح بن أحمد بن حنبل، قلت لأبي: إن قوما يقولون إنهم يحبون يزيد قال: يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر، فقلت: يا أبت، فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني، ومتى رأيت أباك يلعن أحدًا.
وروى عنه قيل له: أتكتب الحديث عن يزيد بن معاوية؟ فقال: لا، ولا كرامة أو ليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل.
فيزيد عند علماء أئمة المسلمين ملك من الملوك لا يحبونه محبة الصالحين وأولياء الله ولا يسبونه فإنهم لا يحبون لعنة المسلم المعين لما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلا كان يدعى حمارًا، وكان يكثر شرب الخمر، وكان كلما أتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ضربه، فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي، فقال النبي: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله.
ومع هذا فطائفة من أهل السنة يجيزون لعنه لأنهم يعتقدون أنه فعل من الظلم ما يجوز لعن فاعله وطائفة أخرى ترى محبته لأنه مسلم تولى على عهد الصحابة وبايعه الصحابة ويقولون: لم يصح عنه ما نقل عنه وكانت له محاسن أوكان مجتهدًا فيما فعله والصواب هو ما عليه الأئمة من أنه لا يخص بمحبة ولا يلعن ومع هذا فإن كان فاسقًا أو ظالمًا فالله يغفر للفاسق والظالم لا سيما إذا أتى بحسنات عظيمة، وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية، وكان معه أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - اهـ. من مجموع الفتاوى (٣/ ٤١٠ - ٤١٤).
ونورد فيما يلي بعض أقوال أهل السنة والجماعة في مسألة لعن يزيد:
- قال ابن العربي -رحمه الله-: فإن قيل إن يزيد كان خمّارًا، قلنا: لا يحلّ إلا بشاهدين، فمن شهد بذلك عليه؟ ! " اهـ. من العواصم من القواصم (١/ ٢٣٢)
- قال ابن حجر الهيتمي: لا يجوز أن يلعن شخص بخصوصه، إلا أن يعلم موته على الكفر كأبي جهل وأبي لهب، ولأن اللعن هو الطرد من رحمة الله، الملتزم لليأس منها، وذلك إنما يليق بمن علم موته على الكفر اهـ. من الصواعق المحرقة (٢/ ٦٣٧).
- قال ابن الصلاح: لم يصح عندنا أنه أمر بقتله -أي قتل الحسين-، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي -إلى قتله- كرمه الله-، إنما هو يزيد بن زياد والي العراق إذ ذاك، وأما سب يزيد ولعنه فليس من شأن المؤمنين، فإن صح أنه قتله أوامر بقتله، وقد ورد في الحديث المحفوظ: "أن لعن المسلم كقتله"، وإنما يكفر بالقتل قاتل نبي من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-، والناس في يزيد ثلاث فرق: فرقة تحبه وتتولّاه، وفرقة أخرى تسبه وتلعنه، وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولّاه ولا تلعنه، وتسلك به سبيل سائر ملوك الإسلام وخلفائهم غير الراشدين في ذلك =

<<  <  ج: ص:  >  >>