قال: شهد لي أبو حسن ورب الكعبة فذلك الذي جرأ زيادًا، ومعاوية بما صنعا ثم ادعاه معاوية سنة أربع وأربعين، وزَّج معاوية ابنته من ابنه محمد، وبلغ الخبر أبا بكرة أخاه لأمه فآلى يمينا ألا يكلمه أبدا، وقال: هذا زنى بأمه، وانتفى من أبيه، والله ما رأت سمية أبا سفيان قط، وكيف يفعل بأم حبيبة أيراها فيهتك حرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن حجبته فضحته فقال زياد: جزى الله أبا بكرة خيرًا؛ فإنه لم يدع النصيحة في حالٍ، وتكلم فيه الشعراء، ورووا عن سعيد بن المسيب أنه قال: أول قضاء كان في الإسلام بالباطل استلحاق زياد.
قال القاضي أبو بكر - رضي الله عنه -: قد بينا في غير موضع هذا الخبر، وتكلمنا عليه بما يغني عن إعادته ولكن لا بد في هذه الحالة من بيان المقصود منه.
فنقول: كل ما ذكرتم لا ننفيه، ولا نثبته لأنه لا يحتاج إليه، والذي ندريه حقا، ونقطع عليه علما:
١ - أن زيادًا من الصحابة بالمولد، والرؤية لا بالتفقه والمعرفة.
٢ - وأما أبوه فما علمنا له أبا قبل دعوى معاوية على التحقيق، وإنما هي أقوال غائرة من المؤرخين.
٣ - وأما شراؤه له فمراعاة للحضانة فإنه حضنه عند أمه إذ دخل عليه فيه شبهة بالحضانة إليه إن كان ذلك، وأما قولهم إن أبا عثمان النهدي غبطه بذل فهو بعيد على أبي عثمان فإنه ليس في أن يبتاع أحد حاضنه أو أباه فيعتقه من المزية بحيث يغبطه عليه أبو عثمان وأمثاله، لأن هذه مرتبة يدركها الغني، والفقير، والشريف، والوضيع، ولو بذل من المال ما يعظم قدره فيدري به قدر مروءته في إهانة الكثير العظيم في صلة الولي الحميم وإنما ساقوا هذه الحكاية ليجعلوا له أبًا، ويكون بمنزلة من انتفى من أبيه.
٣ - وأما استعمال عمر له: فصحيح، وناهيك بذلك تزكية، وشرفًا، ودينًا.
٤ - وأما قولهم: إن عمر عزله لأنه لم يشهد بباطل، فباطل بل روى أنه لما شهد أصحابه الثلاثة وعمر يقول للمغيرة ذهب ربعك ذهب نصفك ذهب ثلاثة أرباعك فما جاء زياد قال له: إني أراك صبيح الوجه وإني لأرجو أن لا يفضح الله على يديك رجلًا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -.