وعليه فلا يجوز قول النصارى، بأن المراد بالبدء هنا الأزل إلا بدليل مرجح.
ويرجح الشيخ العلمي في كتابه الفريد "سلاسل المناظرات" بأن المعنى هنا هو بدء تنزل الوحي على الأنبياء، أي أنه كان بشارة صالحة عرفها الأنبياء كما في (إرميا ٣٣/ ١٤). (١)
ثانيها: ما المقصود بالكلمة؟ هل هو المسيح علية السلام؟ أم أن اللفظ يحتمل أمورًا أخرى، وهو الصحيح. فلفظة "الكلمة" لها إطلاقات في الكتاب المقدس، منها:
١ - كتاب الله أو وحيه "وكانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا"(لوقا ٣/ ٢)، " أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها"(لوقا ٨/ ٢١)"لكن ليس هكذا حتى إن كلمة الله قد سقطت، لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون"(رومية ٩/ ٦).
٢ - ومنها: الأمر الإلهي الذي به صنعت المخلوقات، كما جاء في المزامير "بكلمة الرب صنعت السموات، وبنسمة فيه كل جنودها .. لأنه قال فكان، هو أمر فصار"(المزمور ٣٣/ ٩ - ٦)، ولهذا المعنى سمي المسيح - عليه السلام - كلمة، لأنه خلق بأمر الله، من غير سبب بشري قريب (أي من غير أب)، أو لأنه - حسب المعنى الأول - أظهر كلمة الله.
٣ - كما قد يسمى وعد الله كلمته؛ كما حكى النبي إرمياء استعجال بني إسرائيل ليوم البلاء والعذاب الذي أوعدهم الله إياه:"هَا هُمْ يَقُولُونَ لِي: "أَيْنَ هِيَ كلِمَةُ الرَّبِّ؟ لِتَأْتِ! " ١٦ أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَعْتَزِلْ عَنْ أَنْ أَكُونَ رَاعِيًا وَرَاءَكَ، وَلَا اشْتَهَيْتُ يَوْمَ الْبَلِيَّةِ."
(إرمياء ١٧/ ١٥ - ١٦)، والمسيح وفق هذا المعنى كلمة الله؟ أي أنه الكلمة الموعودة المبشر بها على لسان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وأما المعنى الذي يزعمه النصارى للكلمة (اللوغس)، وأنها الأقنوم الثاني للثالوث الأقدس، فلم يرد في كتب الأنبياء البتة.
ثالثا:"وكان الكلمة الله" غاية ما يستدل بها أن المسيح - عليه السلام - أطلق عليه:(الله)، كما أطلق على القضاة في التوراة "اللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ. فِي وَسْطِ الآلهِةِ يَقْضِي: ٢"حَتَّى مَتَى
(١) انظر: سلاسل المناظرة الإسلامية النصرانية بين شيخ وقسيس، عبد الله العلمي، ص (٢٥٩ - ٢٦٢).