١ - أننا نلحظ ابتداء أن الخلق في كافة النصوص الكتابية مسند لله تعالى فقط، فقد قال سفر التكوين "في البدء خلق الله السماوات والأرض"(التكوين ١/ ١)، ولم يذكر خالقا شارك الله بالخلق أو كان واسطة تم الخلق من خلاله، وفي سفر إشعياء "هكذا يقول الله الرب خالق السموات"(إشعيا ٤٢/ ٥)، كما وقد قال بولس وبرنابا لأهل مدينة لسترة:"نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلى الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها"(أعمال ١٤/ ١٥)، فلم يذكر الكتاب خالقا سوى الله العظيم.
وما بين أيدينا من أقوال بولس ويوحنا؛ فإنها إنما تتحدث عن الله الذي خلق بيسوع كما صنع المعجزات بيد يسوع (انظر أعمال ٢/ ٢٢)، ولا تذكر أنه هو الخالق أبدا، فغاية ما تحتمله هذه النصوص - لو سلم بصحتها - أن يقال بأن الله خلق بالمسيح ما خلق من الكائنات والمخلوقات. يقول القس جيمس أنس متحدثًا عن الأقانيم وأعمالها المختلفة:"ومن أمثلة التميز في الأعمال أن الآب خلق العالم بواسطة الابن"(١).
وهذا المعنى جد غريب لم تنطق به أنبياء العهد القديم، ولا ذكره المسيح علية السلام، إنما ورد من كلام بولس ومقدمة يوحنا الفلسفية، المستمدة من الفكر الأفلوطيني والفلسفات الغنوصية؛ التي ترى أن الله أشرف من يخلق بنفسه، لذا ينيط هذا الفعل بالعقل الكلي أو الملائكة.
٢ - ولا يمكن أن يكون المسيح علية السلام خالقًا للسماوات والأرض وما بينهما؛ إذ هو ذاته مخلوق، وإن زعمت النصارى أنه أول المخلوقين، لكنه على كل حال مخلوق، والمخلوق غير الخالق" الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة"(كولوسي ١/ ١٥).
٣ - ثم إن الذي عجز عن رد الحياة لنفسه عندما مات؛ لهو أعجز من أن يكون خالقًا للسماوات والأرض، أو أن تخلق به "فيسوع هذا أقامه الله"(أعمال ٢/ ٣٢)، ولو لم يقمه الله لما عاد من الموتى، وفي موضع آخر:"ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات"
(١) علم اللاهوت النظامي، القس الدكتور جيمس أنس، ص (١٧٨).