للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا شاهد له عليه وكان يأمرهم أن يقلوا الرواية يريد بذلك أن لا يتسع الناس فيها ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والأعرابي، وكان كثير من جلة الصحابة وأهل الخاصة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئًا كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة.

والتزم الصحابة -في الخلافة الراشدة- منهاج عمر - رضي الله عنه -، وأتقنوا أداء الحديث، وضبطوا حروفه ومعناه، وكانوا يخشون كثيرًا أن يقعوا في الخطأ، لذلك نرى بعضهم- مع كثرة تحملهم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يكثر من الرواية في ذلك العهد، حتى إن منهم من كان لا يحدّث حديثًا في السنة، ونرى من تأخذه الرعدة، ويقشعر جلده ويتغير لونه ورعًا واحترامًا لحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومن هذا ما رواه عمرو بن ميمون قال: مَا أخطأني ابْن مَسْعُودٍ عَشِيَّةَ خَمِيسٍ إِلَّا أَتَيْتُهُ فِيهِ، قَالَ: فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ لشيء قَطُّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمّا كَانَ ذَاتَ عَشِيَّةٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ فَنكسَ. قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَهُوَ قَائِم مُحَلَّلَةً أَزْرَارُ قَمِيصِهِ قَدِ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، قَالَ أَوْ دُونَ ذَلِكَ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ شَبِيهًا بِذَلِكَ. (١)

وعن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: إِنَّهُ ليمنعني أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". (٢)

وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ما منهم أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه، ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه


(١) صحيح. أخرجه أحمد في المسند ١/ ٤٥٢، وابن ماجه في السنن (٣٢) من حديث معاذ بن معاذ، عن ابن عون، حدثنا مسلم البطين، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عمرو بن ميمون به. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (٢١).
(٢) البخاري (١٠٨)، مسلم (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>