للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كفاه إياه وفي رواية يسأل أحدهم المسألة فيردها هذا إلا هذا حتى ترجع إلى الأول. (١)

هكذا تشدد الصحابة في الحديث، وأمسك بعضهم عنه كراهية التحريف، أو الزيادة والنقصان في الرواية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن كثرة الرواية كانت في نظر كثير منهم مظنة الوقوع في الخطأ، والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكذب عليه، وعن رواية ما يرى أنه كذب، من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِب فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِين". (٢)

وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يخشون أن يقعوا في الكذب عامةً، فكيف يكذبون على النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال عِليٌّ - رضي الله عنه -: إِذَا حَدَّثْتكُمْ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ. (٣)

وقد تشدد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في تطبيق هذا المنهاج، فحمل الناس على التثبت مما يسمعون، والتروي في ما يؤدون، فكان له الفضل الكبير في صيانة الحديث من الشوائب والدّخل.

وقد كان تشدد عمر هذا والصحابة معه للمحافظة على القرآن الكريم، بجانب المحافظة على السنة، فقد خشي أن يشتغل الناس بالرواية عن القرآن الكريم -وهو دستور الإسلام- فأراد أن يحفظ المسلمون القرآن جيدًا، ثم يعتنوا بالحديث الشريف الذي لم يكن دُوِّن كله في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كالقرآن، فنهج لهم التثبت العلمي والإقلال من الرواية خشية الوقوع في الخطأ، وقد عُرف إتقان بعض الصحابة وحفظهم الجيد، فسمح لهم بالتحديث.

ويتجلى منهاج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في وصيته التي أوصى بها وفده إلى الكوفة، فعن قرظة بن كعب أنه قال: بَعَثنا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الْكُوفَةِ وَشَيَّعَنَا فَمَشَى مَعَنَا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ صِرَار، فَقَالَ أَتَدْرُونَ لِمَ مَشَيْتُ مَعَكُمْ، قَالَ: قُلْنَا: لِحَقِّ صُحْبَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلِحَقِّ الأَنْصَارِ، قَالَ: لَكِنِّي مَشَيْتُ مَعَكُمْ لِحَدِيثٍ أَرَدْتُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ بِهِ فَأَرَدْتُ أَنْ تَحْفَظُوهُ لممشاي مَعَكُمْ،


(١) مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول لأبي شامة المقدسي (٦٤).
(٢) مسلم في مقدمة صحيحه عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَب، المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، باب وجوب الرواية عن الثقات، وترك الكذابين، والتحذير من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(٣) البخاري (٣٦١١)، مسلم (١٠٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>