للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّكُمْ تَقْدُمُونَ عَلَى قَوْمٍ لِلْقُرْآنِ فِي صُدُورِهِمْ هَزِيزٌ كَهَزِيزِ المرْجَلِ، فَإِذَا رَأَوْكُمْ مَدُّوا إِلَيْكُمْ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَالُوا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، فَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا شَرِيكُكُمْ. (١)

تلكم طريقة الصحابة ومنهجهم في المحافظة على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - خشية الوقوع في الخطأ، أو تسرب الدس في الحديث الشريف من الجهلاء وأصحاب الأهواء، أو أن تُحمل بعض الأحاديث على غير وجه الحق والصواب، فيكون الحكم بخلاف ما أُخذ به، فعلوا ذلك كله احتياطًا للدين ورعاية لمصلحة المسلمين، لا زهدًا في الحديث النبوي ولا تعطيلًا له، فلا يجوز لإنسان أن يفهم من منهاج الصحابة -ومن تشدد عمر خاصةً- هجر الصحابة للسنة أو زهدهم فيها. . .

وطريقة أبي بكر وعمر في الحكم مشهورة: كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى؛ فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به، وإن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن وجد فيها ما يقضي به قضى به؛ فإن أعياه ذلك سأل الناس هل علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بقضاء، فربما قام إليه القوم فيقولون قضى فيه بكذا وكذا؛ فإن لم يجد سنة سنها النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع رؤساء الناس فاستشارهم، وكان عمر - رضي الله عنه - يفعل ذلك.

هكذا كان منهج الصحابة جميعًا في كل ما يرد عليهم، وليس لأحد بعد هذا أن يتخذ بعض ما ورد عن بعض الصحابة ذريعة لهواه، ونستعرض موقف بعض علماء الحديث من ذلك:

قال ابن عبد البر: (٢) احتج بعض من لا علم له ولا معرفة من أهل البدع وغيرهم الطاعنين في السنن بحديث عمر هذا: أقلوا الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجعلوا ذلك ذريعة إلى الزهد في سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي لا توصل إلى مراد كتاب الله عز وجل إلا بها والطعن على أهلها، ولا حجة في هذا الحديث ولا دليل على شيء مما ذهبوا إليه من وجوه،


(١) صحيح. أخرجه ابن ماجه في سننه (٢٨) من طريق مجالد، وأخرجه الحاكم في المستدرك ١/ ١٤٢ كتاب العلم من طريق بيان، كلاهما: (مجالد، بيان) عن عامر الشعبي، عن قرظة بن كعب به. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (٢٦)، وقال: صحيح بإسناد الحاكم ووافقه الذهبي.
(٢) جامع بيان العلم وفضله (١٢٤: ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>