بها أن ينكحها بمهر صاحبه أو يُنكحها فيأخذ مهرها، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها فهي أحق بنفسها، وكانت المرأة في الجاهلية يطفف معها الكيل، فيتمتع الرجل بحقوقه ولا تتمتع هي بحقوقها، يؤخذ مما تؤتي من مهر وتمسك ضرارًا للاعتداء، وتلاقي من بعلها نشوزًا أو إعراضًا وتترك في بعض الأحيان كالمعلقة، ومن المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرم على الإناث، وكان يسوغ للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء من غير تحديد.
وكانوا يقتلون البنات ويئدونهن بقسوة نادرة في بعض الأحيان، فقد يتأخر وأد الموءودة لسفر الوالد وشغله فلا يئدها إلا وقد كبرت وصارت تعقل، وقد حكوا في ذلك عن أنفسهم مبكيات، وقد كان بعضهم يلقي الأنثى من شاهق.
العصبية القبلية الدموية في العرب: كانت العصبية القبلية والدموية شديدة جامحة. وكانت في المجتمع العربي طبقات وبيوت ترى لنفسها فضلًا على غيرها، وامتيازًا، فتترفع على الناس ولا تشاركهم في عادات كثيرة حتى في بعض مناسك الحج، فلا تقف بعرفات وتتقدم على الناس في الإفاضة والإجازة، وتنسأ الأشهر الحرم، وكان النفوذ والمناصب العليا والنسيء متوارثًا، يتوارثه الأبناء عن الآباء، وكانت طبقات مسخرة وطبقات سُوقة وعوام، فكان التفاوت الطبقي من مسلمات المجتمع العربي.
وبالجملة لم تكن على ظهر الأرض أمة صالحة المزاج، ولا مجتمع قائم على أساس الأخلاق والفضيلة، ولا حكومةٌ مؤسسة على أساس العدل والرحمة، ولا قيادة مبنية على العلم والحكمة، ولا دين صحيح مأثور عن الأنبياء، وكان النور الضعيف الذي يتراءى في هذا الظلام المطبق من بعض الأديرة والكنائس أشبه بالحباحب الذي يضيء في ليلة شديدة الظلام فلا يخترق الظلام، ولا ينير السبيل، وكان الذي يخرج في ارتياد العلم الصحيح، وانتجاع الدين الحق يهيم على وجهه في البلاد، ترفعه أرض وتخفضه أخرى، حتى يأوي إلى رجال شواذ في الأمم والبلاد، فيلجأ إليهم كما يلجأ الغريق إلى ألواح سفينة مكسرة، هشمها الطوفان، يدل على ندرتهم خبر سلمان الفارسي أكبر الرواد الدينيين في