للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموجودين في العالم، فكما وصف النص يوحنا الإنجيلي المسيح وتلاميذه بنور العالم من غير أن يكون لهم أثر في إنارة غير قلوب المؤمنين من الكافرين أو الجمادات، فإنه وصف المسيح بأنه كان واسطة الخليقة الجديدة للعالم، والمقصود المؤمنون في العالم فحسب.

ومثله أيضًا، قول بولس عن المصالحة التي تمت بدم المسيح فإنه يقول: "وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلًا الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كلانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّماوَاتِ." (كولوسي ١/ ٢٠)، مع أن المصالحة كما يجزم القس جيمس أنس خاصة بشعبه المفديين دون الجمادات والكائنات الكافرة التي في السماوات والأرض، فهؤلاء لا حظ لهم في المصالحة، التي قد يفهم من النص شمولها إياهم، كما قد يفهم من نصوص الخلق شموله غير المؤمنين. وقال بولس أيضًا عن الذين أرسل الله المسيح لفدائهم: " لِتَدْبِيِر مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي المسِيحِ، مَا فِي السَّماوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ" (أفسس ١/ ١٠).

يقول القس جيمس أنس: " لا يمكن أن يكون معنى (كل شيء) العالمين، حيها وجمادها، كالشمس والقمر والنجوم، لأنها ليست قابلة للمصالحة مع الله؛ ولهذا السبب عينه لا يمكن أن يقصد جها كل الحيوان، ولا يمكن أن يقصد بها كل الخلائق العاقلة الساقطة؛ لأن المسيح لم يأت ليفتدي الملائكة الساقطين (عبرانيين ٢/ ١٦) ولا يقصد بها جميع البشر، لأن الكتاب يعلم أن ليس كل البشر يتصالحون مع الله" (١).

ومثله أيضًا قوله: "لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع" (كورنثوس (١) ١٥/ ٢٢)، فلئن كان الموت يشمل جميع البشر بسبب خطية آدم؛ فإن الذين يحيون جميع المؤمنين فحسب، لا جميع البشر الأموات الذين ماتوا بسبب خطيئة آدم. لكن النص كما رأينا يفهم من ظاهره ما لا يقصد، يفهم منه العموم ويراد به الخصوص، ومثل هذه المبالغات في التعبير -كما أسلفنا- معهودة ومألوفة في الكتاب، إذ يقول موسى لبني إسرائيل: " هوذا أنتم اليوم كنجوم السماء في الكثرة، الرب إلهكم يزيد عليكم مثلكم


(١) علم اللاهوت النظامي، جيمس أنس، ص (٧٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>